فى مرحلة لا يصلح معها منطق «أنصاف الحلول»، انتصرت الدولة انتصاراً واضحاً لمحدودى الدخل من خلال تحريك أسعار المواد البترولية للمرة الخامسة منذ 2014، ونجحت فى ربط أسعار المواد البترولية فى السوق المحلية بأسعارها عالمياً، حتى تتمكن من إتمام خطة ترشيد الدعم من خلال إلغاء فكرة «الدعم الشامل» الذى كان يوجه لغير المستحق قبل المستحق، وللغنى قبل الفقير، وللمستثمر قبل المستهلك.
ونجحت الدولة فى اتخاذ قرار يوفر لخزانة الدولة 27 مليار جنيه أعلنت الحكومة عن توجيهها لدعم برامج الإنفاق على التعليم والصحة، وزيادة المعاشات والأجور، خاصة لمحدودى الدخل، وهو ما سيمكن هذه الفئة من تحسين أوضاعها المالية بشكل ملحوظ مقابل زيادات طفيفة تتلخص فى أجرة المواصلات، وارتفاعات طفيفة للغاية فى أسعار بعض السلع التى تتأثر بارتفاع تكلفة نقل المنتجات أو ارتفاع أسعار البوتاجاز الموجه للنشاط التجارى.
وهنا وضعت الدولة الأمور فى نصابها الصحيح، فأصبح الجميع مطالباً بدفع التكلفة الحقيقية الكاملة نظير استهلاكه للمواد البترولية، فى حين يقتصر الدعم النقدى والعينى على محدودى الدخل فقط؛ لتعزيز قدرتهم المادية بشكل عام، ودعم محفظتهم المالية المخصصة لبنود الإنفاق المختلفة.
وبالتالى ستتأثر المحافظ المالية لمرتفعى الدخل بهذه القرارات دون أن يحصلوا على تعويض فى المقابل، فى حين سيحصل محدودو الدخل على تعويضات مباشرة وغير مباشرة تفوق كثيراً ما سيتحملونه نتيجة ارتفاع أسعار المواد البترولية.
وأتصور أن هذه المرحلة تتطلب من كل فرد مراجعة قراراته المالية، وربطها بمعايير «الكفاءة» التى وضعها علم الاقتصاد، ولا بد أن يتعلمها الجميع.
فالدخل الكلى للفرد لا بد أن يتم تقسيمه إلى جزءين؛ الأول موجه للاستهلاك، والثانى موجه للادخار.
ولا بد أن يتم إنفاق الجزء المخصص للاستهلاك على نحو يعظّم منفعة الفرد، ويشبع كافة احتياجاته الأساسية، وبعضاً من احتياجاته الكمالية، بما يدفعه لتحسين ظروفه فى الوقت الحاضر، فى حين لا بد أن يختار الفرد أفضل الأدوات الاستثمارية والأوعية الادخارية لاستثمار مدخراته فيها من أجل تحسين ظروفه فى المستقبل.
وخلف هذه النظرية الاقتصادية يقف العديد من النماذج والمبادئ الاقتصادية والمالية التى يصعب تناولها فى مقال، أو موضوع واحد.
لذا قمنا بتخصيص الأعداد القادمة من ملحق «الوطن الاقتصادى» فى إطلاق حملة موسعة تستهدف تعزيز ثقافة الاستهلاك والادخار، ومساعدة الأشخاص على اتخاذ قراراتهم الاقتصادية المختلفة، وذلك من خلال فريق من المحررين والباحثين الاقتصاديين التابعين للملحق، والذين يستعينون فى عملهم بنخبة من الاقتصاديين والمصرفيين وخبراء المال والإدارة.
سنساعدك على اتخاذ قرارك الاستهلاكى الصحيح، على نحو يحقق مصلحتك الحالية، ونضع أمامك كافة البدائل لاتخاذ قرارك الادخارى والاستثمارى على نحو يحقق مصلحتك فى المستقبل.
سنستعرض أمامك كافة الأوعية الادخارية التى يمكنك أن تلجأ إليها لاستثمار أموالك، ونطرح عليك كافة الأفكار التى تساعدك على اختيار مشروعك المناسب، سنساندك فى إيجاد الفكرة وتنفيذها، والتأمين عليها، وتطويرها.
سنشرح لك كيف توظف دخلك الحالى فى تعظيم دخل أبنائك فى المستقبل من خلال مفهوم «الاستثمار فى البشر»، وتعليمهم بشكل أفضل من خلال اللجوء لوسائل التمويل المختلفة مثل «قروض التعليم» التى تمكنك من إلحاق أبنائك بمؤسسات تعليمية متطورة تضمن تخرجهم بمهارات تتطلبها سوق العمل، ويدفع من أجلها مبالغ تؤمن لهم ولأسرهم حياة كريمة بالفعل.
سنوضح أمامك الأسلوب الأمثل للتصرف فى الدخل، والطريق الأسهل لتملك العقار، السيارة، أو للزواج وبناء الأسرة.
سنتعرض معاً لوثائق التأمين المختلفة وكيفية الاختيار بينها لتأمين مستقبلك ومستقبل أبنائك وممتلكاتك، ونطرح معاً كيف يمكنك اختراق عالم الاستثمار فى سوق الأوراق المالية وأنسب الوسائل لذلك.
قيمة المال تتغير عبر الزمن، سنشرح لك كيف يمكنك حساب قيمة أموالك الحالية بعد 10 سنوات، حتى يمكنك تحديد الوسيلة الأنسب لاستثمارها الآن.
ونستعرض معاً كيف يدير الأفراد فى المجتمعات المتقدمة محافظهم المالية، على نحو يحقق مصالحهم الفردية ويدعم مسيرة التنمية والتقدم فى أوطانهم.
فأى دولة لن تستطيع النهوض بالاعتماد على مبادئ الاقتصاد الكلى، إن لم تعرف وتنفذ كل منشأة، فرد، أسرة، مبادئ الاقتصاد الجزئى القائمة على اعتبارات الكفاءة وترشيد الإنفاق، وتعزيز الادخار وتوجيهه لأنسب الأوعية ذات العائد الأكبر.
هكذا يمكننا أن نتحرك معاً للأمام، ونحقق معاً الحلم المصرى فى التنمية والتقدم، واثقين مؤمنين بأن الغد أفضل بإذن الله.