بعيداً عن نظريات التخوين وتسفيه آراء المعارضين للمؤسسة العسكرية، هالنى موقف عصام حجى -المستشار العلمى للرئيس عدلى منصور- من جهاز كشف فيروس «سى» وإمكانية علاجه، الذى أعلنت عنه المؤسسة العسكرية. فرغم تحفظى على المؤتمر الصحفى الذى لم توفق فيه المؤسسة العسكرية بشكل يتناسب وكشف هام وجاد للغاية، فإن موقف «حجى» رسم لى أكثر من علامة تعجب. كنت التقيت «حجى» فى مكتبة الإسكندرية عام 2009 أثناء إلقائه محاضرة هامة عن اكتشاف «ناسا» لأكبر حوض للمياه الجوفية فى العالم فى صحراء مصر الغربية. ولذا سعدت حينما علمت نبأ اختياره مستشارا علميا للرئيس المصرى، وظننت أن أول ما سيقوم به هو التركيز على هذا الكشف المائى للاستفادة منه فى زراعة أكثر من مليون فدان، ولكننى لم أسمع منه عن شىء مثل هذا للأسف، أو أى شىء آخر منذ تقلده منصبه فى الرئاسة. ثم فاجأنى الأسبوع الماضى بتصريحاته التى وصف فيها الكشف الطبى للمؤسسة العسكرية بأنه فضيحة علمية!!! يا الله.. كيف لرجل علم درس العلوم فى مصر وأوروبا والتحق بالعمل فى «ناسا» الأمريكية، أن يبدى رأيه فى كشف علمى «سماعى»؟! بمعنى كيف يحكم على مشروع علمى دون قراءة أوراقه والاطلاع عليها وتفنيدها سلباً أو إيجاباً؟ كيف لرجل فى مكانته استخدام لفظ «فضيحة» عند التعبير عن رفضه لنتائج أى كشف علمى؟ تلك ألفاظ يستخدمها العوام أمثالى، أما رجال العلوم فلهم مصطلحات مختلفة! لم يفاجئنى حجى بهذا فقط ولكنه فاجأنى بتجاهله لمهام منصبه كمستشار علمى لرئيس جمهورية مصر العربية، إذ كان يُفترض منه أن يمتنع عن إصدار أى رأى مع تقديم تقرير واف لرئيس الجمهورية مفنداً فيه رأيه -أيا كان- طالما استند على الأدلة. ولكنه لم يفعل للأسف كغيره من دائرة مستشارى الرئيس الذين يثبتون لى كل يوم بمواقفهم ابتعادهم عن مهام حقيقية كان يجب عليهم القيام بها. أتذكر يوم أن دعانا الرئيس المؤقت للجمهورية «عدلى منصور» ضمن جلسات الاستماع لتقرير أولوية بأيهما نبدأ، الانتخابات البرلمانية وفقاً لخارطة الطريق المعلنة؟ أم الرئاسية وفقاً لاحتياجات الوطن؟ وأتذكر مقولته بأنه أخطأ بالموافقة على قانون التظاهر ظناً منه أنه سيوقف المظاهرات المدمرة التى أنهكت الوطن! يومها أدركت أن الرئيس لم يستمع إلا لمستشاريه والدائرة المحيطة به دون الاستماع للكثير من الصيحات التحذيرية التى فندت القانون قبل إصداره وحذرت من سوء توقيت إصداره.. ولكن لم يستمع أحد. لا يعلم مستشارو الرئيس أننا لا نملك رفاهية الخطأ فى تلك المرحلة، ولا رفاهية التجريب فى الوطن والمصريين، ورغم ذلك يجربون فينا ما يتراءى لهم بين الحين والآخر. فتكون فكرة مفوضية الشباب التى خرج بها دكتور مصطفى حجازى منذ فترة، متناسياً أن الحقوق لا تُمنح ولكنها تُنتزع وأن تلك المفوضيات من مهام المجتمع المدنى لا الدولة رغم ذكره ذلك فى كتابه الأخير «حجر رشيد»! وتكون حوارات المسلمانى التى لم نعرف نتائجها، وتكون تصريحات حجى. ويكون أيضاً ترشيحات الوزراء فى حكومة محلب التى تنم أن التحيز للكفاءات لم يتصدر بعد أولويات السادة المستشارين. فيكون الإبقاء على وزيرة الإعلام رغم فشلها التام فى إدارة الملف فى الشهور الماضية، ويكون ترشيح اسم دكتور أسامة الغزالى حرب للثقافة ويكون ويكون ويكون.. نعم لا خاب من استشار، ولكن يبقى السؤال كيف تكون الشورى وما صفات من يقدمها؟ فى أوروبا والدول المتقدمة يُنهكون أنفسهم باختيار مستشارى الرئيس لأنهم من سيقدمون له الصورة كاملة لإتاحة الفرصة له لاتخاذ القرار الذى سيتحمل تبعاته. ويعلمون أنه من غير المسموح إبداء التصريحات على حسب ودادهم.. ولكن على حسب المصلحة العامة للوطن. فانتبهوا يا سادة.