الإمبراطورية التي قسمها البريكسيت.. صراع "المجد والعمل" في بريطانيا
انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي
منذ بداية الشهر الجاري، بزرت أزمات ضخمة أمام بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني، الذي تولى منصبه خلافة لتيريزا ماي، في نهاية يوليو الماضي، كان آخرها اليوم، حيث رفض البرلمان البريطاني طلبه بإجراء انتخابات برلمانية جديدة.
وصوت لصالح طلب جونسون، أمس، 293 نائبا، بينما كان يحتاج لـ434 صوتا، أي بواقع ثلثي عدد النواب المنتخبين في مجلس العموم المؤلف من 650 عضوا، وهو ما جاء في آخر جلسات البرلمان قبل تعليقه لمدة 5 أسابيع لأول مرة، منذ أكثر من 70 عاما.
وفي مطلع الشهر الجاري، وافقت الملكة إليزابيث الثانية على طلب جونسون بتعليق عمل البرلمان البريطاني لـ5 أسابيع، حيث أرجعه رئيس الوزراء لإتاحة فرصة مناقشة برنامجه لـ"بريكست"، مؤكدا تصميمه على الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق في الموعد المحدد، وهو ما رفع ضده الأصوات المعارضة بالبلاد.
بريكست يعكس وهم "الإمبراطورية" وضعف إنجلترا
ويأمل الفريق المتمسك بالخروج من الاتحاد الأوروبي، أن تستعيد بريطانيا مجدها كقوة عظمى وإمبراطورية لا تغيب عنها الشمس، اعتمادا على إبرام صفقات تجارية مع "مستعمراتها السابقة" في دول الكومنولث وشمال أفريقيا، لكن هذا الفريق يقابله حقائق على الأرض تجعله واهما، ولكنه اعتمد على الخطاب العاطفي لتعبئة البريطانيين وتصويتهم لصالح الخروج، حتى لو كان بفارق ضئيل.
وقال رخا حسن مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن القطاع الرافض للانفصال يؤمن أنه سيضر بمصالحها الضخمة، فضلا عن رغبة أيرلندا الشمالية في الاستمرار داخل الاتحاد الأوروبي، وأصبح رئيس حزب العمال المعارض جيمي كوربين من داعمي الاستمرار، وهو ما يعني أنه في حالة إجراء استفتاء جديد من المرجح أن يتم التصويت لصالح رفض الانفصال.
وتابع "حسن" أن ذلك الخلاف الطاحن بالمملكة المتحدة، دفع العديد من الأوساط الاقتصادية والسياسية لتحذير الحكومة البريطانية من تداعيات الخروج من التكتل بدون اتفاق، والذي سيترتب عليه خسارة فادحة لإنجلترا بكافة المجالات سواء داخل البلاد أو بالقارة الأوروبية، ما يجعل الصورة قاتمة بالمملكة حاليا، لاسيما في ظل الخلاف حول إقليم إيرلندا الشمالية، الذي يرفض الانفصال عن الاتحاد، لارتباطه بجمهورية إيرلندا، ومن ثم طرح الاتحاد الأوربي إمكانية فرض حدود بحرية بين الأقاليم الثلاثة وإيرلندا الشمالية لتستمر تتمتع بمزايا الاتحاد.
وسبق أن رصدت عدة جهات أضرار الانفصال دون اتفاق، على طريقة جونسون، الأشد دعما لبريكست، منها وكالة "فرانس برس"، التي فندت التداعيات، وعلى رأسها، رسوم الهاتف والمصارف التي تتعلق بخدمة التجوال، لاسيما بالنسبة للمسافرين الذي يتجاوزون بحر المانش أو الحدود الأيرلندية، وكذلك للدفع ببطاقات الائتمان التي يُتوقع أن تزيد تكلفته في حين ستصبح المعاملات المصرفية "أبطأ" بحسب لندن، ولن يعود في إمكان الزبائن المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي الإفادة من الخدمات المالية لمصارف الاستثمار التي تتخذ من بريطانيا مقرا.
كما ستتأثر أيضا المعاملات الورقية لدى آلاف الشركات التي تستورد أو تصدر من وإلى المملكة المتحدة، فضلا عن الأدوية التي من المحتمل أن تواجه نقصا حادا، سيتعيّن بسببه على المؤسسات البريطانية أن تبرم اتفاقات جديدة أو أن تلجأ للاستيراد من خارج الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى أنه سيواجه المستهلكون زيادة محتملة أخرى في تكلفة التسوق عبر الإنترنت، لأن الطرود التي تصل إلى بريطانيا لن تكون بعد الآن خاضعة لتخفيض ضريبة القيمة المضافة المعمول به حاليا.
بينما رخصة القيادة البريطانية ستصبح غير صالحة في الاتحاد الأوروبي، ويجب على السياح استصدار إجازة سوق دولية لدى التوجه إلى هناك، وسيخضع نقل الحيوانات الأليفة لقواعد صحية أكثر تشددا، فضلا عن فوضى حقيقية في المطارات ليس فقط في المملكة المتحدة لكن في خارجها أيضا، سيؤدي لخسارة شركات الطيران البريطانية والأوروبية حق تشغيل الرحلات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا ما قد يؤدي إلى شلّ الحركة الجوية.
كما من الممكن أن يؤدي الخروج دون الاتفاق لتأثر بخدمة قطار "يوروستار" كون تراخيص الشركات المشغلة لسكك الحديد البريطانية في أوروبا لن تعود صالحة، كذلك سيخضع الرعايا البريطانيون الذين يزورون دول الاتحاد الأوروبي لإجراءات تدقيق مشددة وستقتصر فترة الإقامة الممنوحة لهم على 90 يوما.
حدود برية مع إيرلندا الشمالية، تعد إحدى الأزمات الكبرى التي سيخلفها الخروج، حيث يريد الطرفان إبقاءها مفتوحة بعد "بريكست"، لأسباب منها اقتصادية، بالإضافة للحفاظ على عملية السلام التي وضعت حدا لعقود من أعمال العنف بين القوميين الإيرلنديين والموالين لبريطانيا، حيث كان ينص الاتفاق الذي توصلت إليه تيريزا ماي مع المفوضية الأوروبية على حل سمي بـ"شبكة الأمان"، وهي آلية تهدف للحفاظ على السوق الموحدة للاتحاد الأوروبي، ومنع إقامة حدود فعلية على جزيرة إيرلندا، وفقا لموقع "بي بي سي" البريطاني.
بين التأجيل والرفض.. صفعات متتالية تلقهاها رئيس الوزراء البريطاني
بدأت فصول الأزمة الأخيرة بأول تصريحات جونسون، الخاصة بإصراره على إتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي في الموعد المحدد، بنهاية أكتوبر المقبل، حتى لو كان الانفصال دون اتفاق، وهو ما أثار جدلا ضخما، وبسبب ذلك ارتفعت أصوات المعارضة للمطالبة بمنع ذلك، وبتأجيل خروج بريطانيا لمدة ثلاثة أشهر.
وهو ما رد عليه مساء الاثنين الماضي، رئيس الوزراء البريطاني بإعلانه أنّه لن يطلب "تأجيلا جديدا" لـ"بريكست"، مشترطا ذلك بالتصويت لإجراء انتخابات عامة، رغم إقرار مجلس العموم بالبلاد لقانون يلزم جونسون بأن يطلب من بروكسل تأجيل بريكست إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق على "بريكست" بحلول 19 أكتوبر المقبل، أي مباشرة بعد القمة الأوروبية، لتصادق عليه الملكة إليزابيث الثانية ليصبح بذلك قانونا ساريا.
وفي هزيمة برلمانية جديدة لرئيس الوزراء، صوت النواب البريطانيون على قرار لإجبار حكومة بوريس جونسون بنشر الوثائق السرية المتعلقة بتداعيات "بريكست" دون اتفاق، بالإضافة لكشف الحكومة لمداولات المسؤولين حول خطتهم المثيرة للجدل بتعليق عمل البرلمان لخمسة أسابيع بداية من اليوم، عبر خدمة واتساب وعبر البريد الإلكتروني الخاص.
بينما اتهم جونسون، زعيم المعارضة بالتهرب من الانتخابات المبكرة خوفا من الهزيمة، ليرد عليه بالقول إنه يريد الانتخابات لكنه يرفض "المخاطرة بكارثة" الخروج من الاتحاد الأوروبي من دون اتفاق.
الاستقالات بالحكومة.. صفعة أخرى لرئيس الوزراء
لم تقتصر الخسائر التي تعرض لها "بو جو" خلال الأيام العشرة الماضية على ذلك، وإنما شهد استقالت وزيرة العمل والمعاشات البريطانية أمبر راد، من منصبها اعتراضا على سياسة رئيس الوزراء البريطاني تجاه "بريكست"، وتحديدا فكرة الخروج دون اتفاق.
وقالت راد أنها تعتقد بشدة أن الخروج بالاتفاق لا يشكل هدفا رئيسا لدى الحكومة، وإنما يتم التركيز بقوة على عدم وجود اتفاق، متهمة رئيس الوزراء بـ"الاعتداء" على القيم الديمقراطية عندما قرر جونسون إقصاء 21 نائبا محافظا صوتوا مع مشروع قانون يجبر الحكومة على التخلي عن خيار الخروج دون اتفاق، وفقا لوكالة "كونا".
كما وصل الخلاف إلى شقيق رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي أعلن الخميس الماضي، استقالته من حكومة المحافظين التي كان يتولى فيها منصب وزير دولة، مؤكدا أنه يغلب "المصلحة الوطنية" على "الولاء العائلي".
وكتب جو جونسون، المؤيد لاستفتاء ثان حول بريكست فيما يريد شقيقه خروجا من الاتحاد الأوروبي في أسرع وقت، في تغريدة "في الأسابيع الماضية كنت أشعر أنني عالق بين الولاء العائلي والمصلحة الوطنية، إنه توتر لا يمكن حله، ولقد آن الأوان لكي يتولى آخرون مهامي كنائب وعضو في الحكومة".
كيف بدأت أزمة "جونسون" في بريطانيا؟
وبدأت أزمة بريكست، بسبب أولى تصريحات جونسون، عقب توليه المنصب، بإتمام الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق في الموعد المحدد 31 أكتوبر المقبل، قائلا إنه: "سننفذ وعودنا المتكررة للبرلمان وللناس، بالخروج من الاتحاد الأوروبي يوم 31 أكتوبر، بدون أي حجج، إذا لزم الأمر"، وهو ما أكده بعد أيام، مايكل جوف، الذي كلفه جونسون بتجهيز الاستعدادات للخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، مضيفا أن الحكومة "تعمل على افتراض أن الاتحاد لن يوقع اتفاقا جديدا".
أثارت تلك التصريحات جدلا ضخما في بريطانيا، ارتفع حدته في مطلع الشهر الجاري، حينما وافقت الملكة إليزابيث الثانية على طلبه بتعليق عمل البرلمان البريطاني لـ5 أسابيع، ليخسر رئيس الوزراء، عقب ذلك، أغلبية مجلس العموم البريطاني بعد انشقاق أحد النواب المحافظين، وانضمامه إلى الديمقراطيين الليبراليين، المؤيدين للبقاء بالاتحاد، ليعقد عقب ذلك مجلس العموم اجتماعا عاجلا بشأن خروج بريطانيا، ليلقى فيها جونسون عدة انتكاسات.
كما رفض المجلس مذكرة طرحها رئيس الوزراء لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة في 15 أكتوبر يأمل في الحصول بعدها على أغلبية جديدة أكثر تماسكا، تسمح له بالتحرك بحرية قبل القمة الأوروبية التي ستعقد في 17 و18 أكتوبر في بروكسل، كما أقر تشريعا قد يؤجل "بريكست" من خلال مشروع يلزم جونسون بتقديم اتفاق بشأن "بريكست" للبرلمان أو الحصول على مهلة جديدة من الاتحاد الأوروبي، ما يمنع خروج بريطانيا من الاتحاد بدون اتفاق، حيث صوت 327 نائبا في مجلس العموم لصالح مشروع القانون، فيما صوت 299 نائبا ضده، ومن المقرر إحالة مشروع القانون إلى مجلس اللوردات للموافقة عليه.
تعرف على رد رئيس الوزراء البريطاني بتلك القرارات؟
من ناحيته، انتقد بوريس جونسون بشدة إقرار مشروع القانون، معتبرا أنه "ينهي المفاوضات بشأن بريكست من الناحية العملية"، مضيفا أن مشروع القانون هذا يجبر رئيس الوزراء على "الاستسلام" أثناء المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف جونسون أن مشروع القانون يحرم البلاد من الحق في تحديد مدة بقائها في الاتحاد الأوروبي بنفسها، وشدد على أن الحكومة لا تستطيع أن تعمل عندما يرفض البرلمان ما تقترحه.
وفي 5 سبتمبر الجاري، خضع رئيس الوزراء لمطالب المجلس، بعدما فقد أغلبيته، حيث وافق على عدم عرقلة نص تشريعي يطالب بعرقلة الخروج من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، حيث كتبت الكتلة البرلمانية لحزب العمال أكبر حزب معارض، في تغريدة على "تويتر" أن حكومة جونسون "تعهدت" السماح بأن يمر النص "بكل المراحل" في مجلس اللوردات الخميس والجمعة و"يعود الاثنين إلى مجلس العموم لتعديلات محتملة أخرى"، وفقا لموقع "دويتش فيله".