فى الثانى من أكتوبر الحالى، حلت الذكرى 150 لميلاد السياسى البارز والزعيم الروحى للهند «موهانداس كرمشاند غاندى». وغاندى معروف فى جميع أنحاء العالم باسم المهاتما غاندى، وقد التصق لقب «المهاتما» به، لدرجة أن الكثيرين قد يعتقدون أن هذا هو اسمه، والحقيقة أن «المهاتما» هو لقبه، ويعنى «الروح العظيمة»، وأول من أطلق هذا اللقب عليه هو الشاعر والفيلسوف الهندى «رابندراناث طاغور»، ويعرف غاندى فى الهند أيضاً باسم «بابو»، ومعناها «الأب»، وقد تم تشريفه رسمياً فى الهند باعتباره «أبوالأمة»، ويتم الاحتفال بعيد ميلاده فى الثانى من أكتوبر باعتباره عيداً وطنياً يندرج ضمن أجندة العطلات الرسمية، ويطلق عليها اسم «غاندى جايانتى».
وغاندى معروف فى العالم أجمع بدوره السياسى والإنسانى باعتباره رائد «الساتياغراها»، ومعناه «الإصرار على الحق» أو «قوة الحق»، وهى فلسفة تركز على اللا عنف كوسيلة لتحقيق الإصلاح الاجتماعى والسياسى، حيث استخدم هذه الوسيلة فى مقاومة سياسة التمييز العنصرى إبان فترة إقامته بجنوب أفريقيا مطلع القرن العشرين، ثم فى وطنه الهند بعد عودته إليها ابتداءً من عام 1917م، وقد قادت هذه السياسة فعلاً إلى استقلال الهند.
وقد كان غاندى حريصاً على وحدة الهند والتعايش السلمى بين المسلمين والهندوس فى دولة واحدة، وحاول إقناع الزعيم الباكستانى «محمد على جناح» الذى كان على رأس الداعين إلى هذا الانفصال بالعدول عن توجهاته لكنه فشل، وبالفعل، وفى السادس عشر من أغسطس 1947م، تم الإعلان رسمياً عن تقسيم الهند إلى دولتين، إحداهما للهندوس والأخرى للمسلمين تحت اسم الباكستان، وما إن تم الإعلان عن التقسيم، حتى سادت الاضطرابات الدينية عموم الهند، وبلغت من العنف حداً تجاوز كل التوقعات، فسقط فى كلكتا وحدها على سبيل المثال ما يزيد على خمسة آلاف قتيل. وقد تألم غاندى لهذه الأحداث واعتبرها كارثة وطنية، كما زاد من ألمه تصاعد حدة التوتر بين الهند وباكستان بشأن كشمير، وسقوط العديد من القتلى فى الاشتباكات المسلحة التى نشبت بينهما عامى 1947/1948م، وأخذ يدعو إلى إعادة الوحدة الوطنية بين الهنود والمسلمين، طالباً بشكل خاص من الأكثرية الهندوسية احترام حقوق الأقلية المسلمة. ولكن دعوات غاندى إلى احترام حقوق الأقلية المسلمة لم ترق للأغلبية الهندوسية، واعتبرتها بعض الفئات الهندوسية المتعصبة خيانة عظمى فقررت التخلص منه، وبالفعل، فى 30 يناير سنة 1948م أطلق أحد الهندوس المتعصبين، ويدعى «ناثورم جوتسى»، ثلاث رصاصات قاتلة، سقط على أثرها غاندى صريعاً عن عمر يناهز 78 عاماً.
ورغم وفاته، لا تزال رسالة المهاتما غاندى قائمة شاهدة على أهمية ثقافة اللا عنف. وإدراكاً لقيمة وأهمية شخصية غاندى عالمياً، تم اختيار يوم عيد ميلاده فى الثانى من أكتوبر مناسبة للاحتفال باليوم الدولى للاعنف.
وتأتى ذكرى ميلاد غاندى هذا العام فى ظل تصاعد التوتر فى شبه القارة الهندية، على أثر لجوء حكومة «نياريندرا مودى» إلى إلغاء وضع الحكم الذاتى الذى كان يتمتع به الشطر الهندى من إقليم كشمير، كذلك، تأتى ذكرى وفاة غاندى فى ظل أوضاع دولية مضطربة وعالم عربى يموج بالصراعات ويئن تحت وطأة عمليات الإرهاب الأسود التى تجد مصدرها فى آراء سيد قطب الداعية إلى اتباع سبيل العنف والإرهاب لتحقيق حلم جماعات الإسلام السياسى فى الاستيلاء على السلطة، وإذا كان غاندى قد بقى فى ضمير الإنسانية بدعوته إلى نبذ العنف واتباع سبيل المقاومة السلمية، فإن جماعات الإسلام السياسى قد لعبت دوراً سلبياً فى ماضى وحاضر المنطقة العربية، وأسهمت فى إلصاق تهمة العنف والإرهاب بالدين الإسلامى الحنيف، والدين منهم ومنها براء، وإذا كان «غاندى» قد استحق التكريم والتخليد ولقب «المهاتما» أى الروح العظيمة، فإن «سيد قطب» هو «الروح الشريرة» التى تقف وراء كل حوادث الإرهاب الأسود الذى نعانى منه منذ عدة عقود.. والله من وراء القصد.