«الذين لا يقرأون التاريخ يتجهون لتكرار أخطائه»، هكذا تقول الحكمة اليابانية القديمة. فالتاريخ ليس مبدعاً ولا مبتكراً ولكنه دوماً ما يخدع أولئك الذين لا يتعلمون تفاصيله ولا يتداولون حكاياته. فما بالنا نحن فى عالمنا العربى الذى لا يقرأ ناسه تاريخهم القريب والبعيد وحسب، ولكنهم يكتبون التاريخ وفق أهواء البعض وقبول أو رفض البعض الآخر فى ظل غياب منطق وسرد وقائع وتسجيل أحداث؟
نعم توقفت كثيراً أمام حالنا وأنا أتابع الحلقات الأولى لمسلسل ممالك النار المنتج من قبَل الإمارات وشارك فيه عدد كبير من الفنانين المصريين والعرب، وبحق هو يستحق المشاهدة لاكتمال عناصر الإنتاج الصحيح به. ولكننى تساءلت هل كان لا بد أن ترتكب تركيا دولة السلطنة العثمانية تلك الأفعال الموصومة بالخيانة والبلطجة السياسية المقرونة بالاتجار بالدين والشعوب العربية فى عصرنا الحالى، حتى ندرك فى عالمنا العربى حقيقة ما سموه زوراً باسم الخلافة العثمانية؟ هل كان لا بد أن نستشعر الخطر من ذلك الجار الإقليمى حتى نتذكر مجازر الأتراك العثمانيين وبشاعة حكمهم فى داخل إمبراطوريتهم وخارجها؟ هل كان علينا الانتظار سنوات لنعيش الحسرة على أوطان عربية تتحطم وتُحتل وتُخرب بيد الأتراك حتى ندرك زيف ما كتبوه وكتبناه من تاريخ؟
نعم فسليم الأول سلطان العثمانيين الذى أطلقنا اسمه على شوارع عدة فى بلادنا العربية، بما فيها القاهرة، معروف فى التاريخ للعالم أجمع بأنه سفاح كاد يقترب من الجنون قتل إخوته وعادى أباه السلطان بايزيد بن الفاتح وأجبره بدعم الإنكشارية العثمانية على التنازل له عن العرش العثمانى عام 1512. كانت أول قرارات سليم الأول قتل إخوته وأولادهم خشية منازعته الحكم، تماماً كأسلافه. سليم الأول الذى دخل القاهرة 26 يناير 1517 بالخيانة المملوكية لآخر سلاطين تلك الحقبة وهو السلطان الأشرف أبوالنصر طومان باى، الذى قرر سليم الأول إعدامه على باب زويلة فى قاهرة المعز تاركاً جثمانه معلقاً لمدة ثلاثة أيام -بما يوحى لك بطبيعة الشخصية التى لا تعرف تديناً ولا إنسانية. سليم الأول الذى قضى فى القاهرة شهراً أخذته فيها جمال معمارها وصنعة يد الفنان بها فى كافة مجالات الحياة، فنهب المساجد والقصور وخلع رخامها وأبوابها وزخارفها، وشحن كافة صنايعية مصر إلى بلاده ليصنعوا بها نهضة معمارية كالتى صنعوها فى مصر فجفف منابع الفن لسنوات. سليم الأول الذى حدد الضرائب على شعب مصر وأقر نظام الملتزم بين المماليك الذين ارتضوا التبعية للعثمانى، فأخذ لنفسه وأخذ للسلطنة العثمانية، فعاشت مصر أقسى مراحل الفقر المادى والمعنوى والعلمى لنحو أربعة قرون. ورغم هذا لم يعلمونا فى مناهج التاريخ سوء الفعل العثمانى ولا جُرم احتلاله لبلادنا. ووصفوا تلك المرحلة بأنها فتح إسلامى!! وخلافة إسلامية لمجرد أن تنازل آخر العباسيين لسليم الأول عن الحكم علانية!! فكيف نصحح اليوم ما اعتدنا على ترديده قروناً؟!
ومن هنا فإن العودة للتاريخ لا ينبغى أن تتوقف عند مرحلة الشرح والتوضيح بالحقائق لوقوع الاختلاف السياسى. بل لوجوب التوعية والفهم لحماية الأوطان والشعوب. فهل يدرك البعض على سبيل المثال لا الحصر أن مدينة تل أبيب، عاصمة دولة إسرائيل الصهيونية المغتصبة لأراضينا فى فلسطين، أُسست فى العام 1909 فى ظل خلافة السلطان عبدالحميد الثانى وبموافقته وقبوله؟!
علينا أن ندرك أهمية عرض التاريخ بميزاته وعيوبه من دون تجميل ولا تشويه، ومن دون تهويل أو تهوين. لا للإساءة لشخص أو لفضحه ولكن لحماية مقدرات المستقبل بفهم الخطوة فى الحاضر المستندة على خبرة الماضى. فهل ندرك حاجتنا للعودة للتاريخ بحق وإعادة قراءة الكثير من أوراقه وتصحيح مفاهيمه فى عقول أجيال كثيرة؟