البحيرة: "عاداة"يقاوم سنوات من الإهمال وإهدار المال العام
محافظ البحيرة يتفقد محطة تسمين العجول
مع صدور قوانين الإصلاح الزراعى فى أعقاب ثورة يوليو 1952، التى حددت ملكية الأراضى الزراعية للأفراد، وبموجبها تم سحب مساحات واسعة من كبار الملاك وإعادة توزيعها على صغار الفلاحين، استشعر الفلاح أنه تخلص من ظلم الإقطاع بعد أن أصبح له ملكيته الخاصة، وأتاحت هذه القوانين للدولة استغلال مساحات من هذه الأراضى فى إنشاء مشروعات إنتاجية، انعكست آثارها الإيجابية على المواطنين على مدار ما يقرب من 7 عقود، وكان للبحيرة نصيب كبير من هذه المشروعات، بعد أن حصلت على مشروع «عاداة»، الذى يضم مئات الأفدنة من أجود الأراضى الزراعية، ويُعد أحد أكبر مشروعات الإنتاج الحيوانى فى محافظات الدلتا، ويعمل به المئات من أبناء المحافظة. وفى إطار خطة الدولة للنهوض بالمشروعات الإنتاجية فى المحافظة، وفى محاولة لانتشال مشروع «عاداة» من حالة التردى التى وصل إليها، نتيجة الإهمال الذى عانى منه طويلاً فى أعقاب أحداث «ثورة 25 يناير» 2011، تم دعم المشروع، الواقع على مساحة 659 فداناً فى مركز كفر الدوار، خلال العام الماضى فقط بنحو 30 مليون جنيه، لتزويد مزرعة الإنتاج الحيوانى بالعدد الكافى من الرؤوس والسلالات الجيدة، التى تتميز بغزارة إنتاجها وقدرتها على التأقلم مع الظروف المناخية، وتم رفع قدرة محطة التسمين لاستيعاب 1270 رأساً مستورداً، إلى جانب عدد الرؤوس القائمة، وكذلك رفع كفاءة وتطوير محطات التربية، لاستيعاب 1000 رأس، فضلاً عن إنشاء خط لإنتاج الأعلاف، وإنشاء مصنع لمنتجات الألبان، وإنشاء مزرعة للبط داخل المشروع.
أستاذ زراعة: التعديات تحرم الدولة من حقها والاهتمام بالمشروع يضمن توفير اللحوم
فى الأسواق
ولم تقتصر أعمال التطوير على الإنتاج الحيوانى والداجنى فقط بالمشروع، وإنما شملت أيضاً تطوير قطاع الإنتاج الزراعى، حيث شهد مشروع «عاداة»، خلال العام الماضى أيضاً، إدخال أنواع من المحاصيل الجديدة، مثل «بنجر السكر»، و«الخرشوف»، و«العدس»، و«الفول البلدى»، بالإضافة إلى إدخال محصول «البونيكام»، لإنتاج العلف الأخضر للحيوانات، بالإضافة إلى إدخال منظومة الزراعة الآلية، واستخدام التكنولوجيا الحديثة فى اختيار أفضل أنواع التقاوى المستخدمة فى الزراعة.
وقد واجه المشروع كثيراً من التحديات على مدار السنوات السابقة، حيث تعرض لسرقة المحاصيل الزراعية وأدوات وأصول المشروع، فضلاً عن تزايد جرائم إهدار المال العام، التى تتمثل فى قيام عدد من مغتصبى أراضى الدولة بوضع أياديهم على أرض المشروع، بخلاف مرحلة الركود التى عانى منها المشروع كثيراً خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، بعد أن صرفت الدولة أنظارها عن المشروع، ورفع المسئولون آنذاك أياديهم عنه، وأصبح عُرضة للإهمال وإهدار ما به من ثروات، وكانت النتيجة استيلاء بعض الأشخاص على مساحات من أجود الأراضى الزراعية، وتوقف مصنع تدوير القمامة، الملحق بالمشروع، الذى كان يستوعب آلاف الأطنان من القمامة الناتجة عن مركزى كفر الدوار وأبوحمص، وكذا الاستيلاء على مساحة تزيد على فدان كامل، لصالح أحد الأشخاص، قام بتحويلها إلى ملعب خاص لكرة القدم.
ورغم كل جرائم الإهمال وإهدار المال العام، التى شهدها مشروع «عاداة» على مدار السنوات السابقة، فإن ثرواته لم تنفد بعد، وفى كل مرة تلتفت الدولة للمشروع وتمنحه بعض الاهتمام، يُدر خيراً كثيراً، يكفى ويسد احتياجات أبناء البحيرة والمحافظات المجاورة، وكان من أبرز ملامح هذا الاهتمام زيارة وفد من وزارة الزراعة أرض المشروع فى وقت سابق من العام الجارى، وتفقد الوفد خلال جولته جميع عنابر المشروع، بدايةً من التسمين والتربية والإناث والرضع والفطام والمستورد والبلدى وغيرها، ومعاينة الماشية على الطبيعة والمحلب، كما تفقد بعض المبانى المتهالكة لبحث إمكانية الاستفادة منها، وتم خلال تلك الزيارة معاينة الأراضى الزراعية التابعة للمشروع، ومعاينة التربة والزراعات القائمة، خاصة الأعلاف الخضراء «بونيكام»، التى تمت زراعتها هذا العام لأول مرة.
تطوير قدرات محطة التسمين وإنشاء خط لإنتاج الأعلاف ومصنع ألبان ومزرعة بط
«حمدى شعبان»، نقيب الفلاحين بالبحيرة، قال لـ«الوطن»، إن «زيارة وفد وزارة الزراعة لأرض عاداة، أحيت الأمل من جديد لعودة المشروع إلى سابق عهده»، مشيراً إلى أن الإنتاج الحيوانى والزراعى كان يكفى لسد احتياجات الأسواق فى كل من البحيرة والإسكندرية على مدار عشرات السنين، كما ساهم المشروع، خلال السنوات السابقة، فى تخفيض أسعار اللحوم إلى حد كبير، بعد فتح منافذ لبيع اللحوم للمستهلك داخل أرض المشروع، الأمر الذى حرم «مافيا اللحوم»، من تنفيذ مخططاتها لـ«تعطيش» السوق من اللحوم الحمراء، كما ساعد المشروع فى توفير فرص عمل لائقة للمئات من الشباب من أبناء محافظة البحيرة، وأوضح «شعبان» أن الهدف الأساسى من زيارة وفد وزارة الزراعة كان بحث الاستفادة عملياً من الخبرات التى يتميز بها أعضاء الوفد، والعمل على حل المشاكل المتعلقة بالتلقيح الاصطناعى، مع اختيار أفضل وحدات خلط الأعلاف الخضراء والمركزة للتغذية، وعمل سياسة زراعية جديدة للاستغلال الأمثل لزراعات الإنتاج النباتى، بالإضافة إلى الاستفادة بخبراتهم فى الحفاظ على صحة الحيوان، بحمايته من الأمراض التناسلية، عن طريق ربط الدراسة النظرية بالتطبيق، بما يخدم تنمية قطاع الثروة الحيوانية، والمساعدة على رفع الكفاءة التناسلية والإنتاجية لحيوان المزرعة، عن طريق الأبحاث المعملية والحقلية. إلا أن نقيب الفلاحين بالبحيرة اعتبر أن «الزيارات التقليدية والتصريحات النظرية وحدها لا تكفى لإنقاذ مشروع عاداة»، مؤكداً أن الأمر يحتاج أكثر من ذلك بكثير، داعياً إلى تدخل الجهات الرقابية لفحص آليات عمل المشروع، والوقوف على صحة ما يتداول عن وجود اختلاسات وسرقة بالمشروع، خاصةً أن بعض العاملين بالمشروع هم مصدر هذه المعلومات، ومن وقائع ذلك ما حدث عام 2014، عندما قام عدد من العاملين بإغلاق أبواب المزرعة، ومنعوا المسئولين والموظفين والإداريين من الدخول، معربين عن احتجاجهم على تعديات بعض مغتصبى أراضى الدولة بوضع أيديهم على مزرعة «بول بيف»، التى تُقدر مساحتها بحوالى 3 أفدنة، وسط صمت مسئولى المشروع، كما تم الاستيلاء على فدان أرض، تُقدر قيمته بأكثر من 5 ملايين جنيه، لصالح أحد رجال الأعمال، بالإضافة إلى ما ورد فى تقرير لإحدى اللجان التى شكلتها المحافظة، عن وجود جريمة اختلاس نحو 86 رأس ماشية من أصول المشروع.
الدكتور محمد عبادى، أستاذ بكلية الزراعة، اعتبر أن وقوف العاملين بمشروع «عاداة» ضد ممارسات الفساد، أظهر العديد من المخالفات، مشيراً إلى أنه قام بزيارة المشروع على أرض الواقع، يرافقه وفد من نقابة الفلاحين، وتبين خلال الزيارة وجود تعديات على الأراضى التابعة للمشروع، بما يحرم الدولة من حقها فى تلك الأراضى، وأضاف أنه اقترح على محافظ البحيرة آنذاك، تغيير منظومة العمل داخل المشروع، وضخ دماء جديدة فى الإدارة والقيادات العمالية، وفرض رقابة أكثر على إنتاج المشروع، وتنفيذ حملات دورية للتأكد من استمرار العمل، بما يضمن توفير رؤوس الماشية باستمرار، وبما يسهم فى زيادة الثروة الحيوانية بالمنطقة إلى حد كبير.