كان الشيخ الشعراوى -كما أسلفنا قبلاً- وفديّاً إخوانياً، وكان ارتباطه بالإخوان من خلال إعجابه بشخصية الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، وقد تزامن انتقال جماعة الإخوان من الإسماعيلية للقاهرة مع انتقال الشيخ الشعراوى للقاهرة، ومن الواضح أن العلاقة كانت وثيقة للغاية حتى إن الشيخ الشعراوى صاغ بأسلوبه أول بيان تصدره الجماعة بعد انتقالها للقاهرة. ويؤكد الشيخ الشعراوى أن علاقته بالبنا كانت وثيقة للغاية حتى إنه اعتاد اللقاء به مساء كل يوم من العشاء وحتى الفجر مما أكسبه عادة السهر الطويل التى لازمته طوال العمر.
لم يتعارض انتماء الشيخ لجماعة الإخوان المسلمين وارتباطه بمؤسسها مع وفديته وانتمائه لحزب الوفد فى الوقت نفسه، وهو يذكر نشاطه فى حزب الوفد عام ١٩٣٧، عقب خروجه من الحكم، وإلقاءه قصيدة فى مدح سعد زغلول ظل يحفظها طوال حياته، وقد كانت القصيدة التى مدح فيها سعد زغلول وخليفته مصطفى النحاس سبباً فى خلاف بينه وبين حسن البنا الذى عاتب الشعراوى، ودار بينهما نقاش دافع فيه الشعراوى بشدة عن مصطفى النحاس وقال إنه أقرب الزعماء إلى منهج الله، وأن سلوكه الشخصى لا ينطوى على أى مخالفة للشريعة، وأنه أولى الزعماء بموالاة الإخوان، لكن ذلك تصادم مع وجهة نظر حسن البنا الذى رأى أن النحاس هو أعدى أعداء الإخوان لأن له ركيزة شعبية وبالتالى فإنه الوحيد الذى يستطيع أن يسبب المشاكل للإخوان المسلمين، وقد كان الموقف من الوفد هو نقطة الخلاف بين الشيخ الشعراوى وحسن البنا حيث يقول الشعراوى إنه انفصل عن الإخوان منذ عام ١٩٣٨.
لا يمكن فهم موقف الشيخ الشعراوى من ثورة يوليو ومن جمال عبدالناصر بعيداً عن وفديته، وإخوانيته.. وقد عبر عن رفضه بالفعل من خلال رحلة اغترابه الطويلة فى المملكة العربية السعودية من ١٩٥٢ إلى ١٩٦٢ ثم فى بعثة التعريب بالجزائر من ١٩٦٣ إلى ١٩٧٠، ثم فى عودته للسعودية مرة أخرى عقب وفاة عبدالناصر حتى بدء مرحلة النجومية فى حياته عام ١٩٧٣.
ورغم كثرة الأحاديث التى أدلى فيها الشيخ الشعراوى بتفاصيل عن حياته وسنوات تكوينه المختلفة، فإن غموضاً كبيراً يكتنف تفاصيل حياته فى السعودية باستثناء قصة واحدة شائعة جرت أحداثها عام ١٩٥٥، حين علم بنية السلطات السعودية فى نقل مقام إبراهيم ضمن أعمال توسعة تقوم بها للحرم، فأرسل برقية طويلة للملك سعود يعارض فيه نقل المقام، فتم الأخذ برأيه.
وبحسب صديقه د. محمود جامع فقد استطاع الشيخ الشعراوى التأثير فى أوساط النخبة السعودية وفى عدد من أمراء البيت المالك السعودى، ودوائر النفوذ السعودية. لكن الشيخ الشعراوى نفسه لم يتحدث عن هذه الفترة.
وبسبب الطابع الرسمى للشيخ الشعراوى، وارتباطه بالدولة المصرية، كواحد من علماء المؤسسة الدينية الرسمية، يلزم نفسه بما تلتزم به الدولة، ولا يشق عصا الطاعة عليها، سنجد أن الشعراوى يرثى جمال عبدالناصر عند موته رثاء حاراً.
أياً كان الأمر فقد كان الشيخ يملك خطاباً مضاداً لثورة يوليو ولاختيارها الاشتراكى، وللقومية العربية، ولكل ما كان جمال عبدالناصر يمثله على المستوى القومى والوطنى، وقد عبر عن رأيه فى مصر الناصرية بصورة صادمة وصريحة للغاية حين قال إنه انفعل حين سمع بهزيمة مصر فى عام ١٩٦٧ فسجد لله سجدة شكر فرحاً بالهزيمة وشرح وجهة نظره قائلاً إنه فرح لأن مصر لم تنتصر وهى فى أحضان الشيوعية لأنها لو انتصرت وقتها فإن ذلك كان سيسبب للمصريين فتنة فى دينهم، ولكن انتصر المصريون بعدها وهم بعيدون عن الشيوعية.. أما ما أسعده أيضاً فى حرب أكتوبر فهو أنها استهلت بشعار «الله أكبر» وكانت فى شهر رمضان.
والحقيقة أن الشيخ الشعراوى كان يقدم تفسيراً دينياً يصم المرحلة الناصرية بالبعد عن الدين ويصف المرحلة الساداتية بأنها المرحلة التى تمت فيها العودة للدين، وقد ظلت هذه التصريحات بالتحديد الركيزة المباشرة للهجوم على الشيخ الشعراوى من بعض الكتاب الناصريين واليساريين الذين لم يستوعبوا أن يعلن الشيخ فرحه فى كارثة وطنية مات فيها خمسة عشر ألف جندى مصرى.
ولم يقتصر هجوم الشيخ الشعراوى على المرحلة الناصرية على الأسباب السياسية، ولكنه هاجم سياسات عبدالناصر فى تطوير الأزهر، وقد تسبب هذا فى ضجة، أدت إلى ذهاب الشيخ لزيارة قبر عبدالناصر وترحمه عليه والتقاطه للصور أثناء زيارته للضريح وإرسالها للصحف كى تنشرها، وقال فى تصريحاته بعد الزيارة إن عبدالناصر جاءه فى المنام ومعه طبيب ومهندس من خريجى الكليات العملية التى تم استحداثها بعد تطوير الأزهر وقال له: «يكفينى هؤلاء».