تناولنا فى المقال السابق من أين هبط آدم للأرض.. فما هى أهم ملامح هذه الأرض؟ فلننظر إلى أرض الدنيا كأنها سيدة حامل وتضع حملها وأخرجت الأرض أثقالها «وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا» سورة الزلزلة آية 2، بمعنى لا ثبات لها ولا ثقل، فقد تقطعت علاقتها بالشمس وجاذبيتها والقمر وجاذبيته وأصبحت تراباً متناثراً، وسنذهب جميعاً لأرض جديدة لا حدود لها ولا نهاية وإنما قسمان؛ قسم للنعيم وقسم للجحيم، ونحن كلنا منذ خُلق آدم وحتى نهاية الكون الدنيوى نقف صفاً واحداً، فأى مساحة لا متناهية تستوعب هذا الكم من البشر فى طابور واحد يفوق كل الطوابير التى عرفها البشر؟! انظر تعبير السورة سورة الكهف آية 48 «وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفاً لَّقَدْ جِئْتُمُونَا كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ بَلْ زَعَمْتُمْ أَلَّن نَّجْعَلَ لَكُم مَّوْعِداً»، وما يؤكد أن الجميع سيعيش على أرض واحدة فى الآخرة أن المجرمين يرون الجزء الآخر المشتعل ناراً فظنوا أنهم مواقعها، والظن هنا بمعنى اليقين أى تيقنوا أنهم سيعيشون فى الجزء الجهنمى من الأرض، ولكننا جميعاً فى صف طويل واحد كل منا يدخل بمفرده أمام الواحد القهار ليحاسب حساب ما فعله فى الدنيا وليجزى خيراً أو شراً فى الآخرة، ومعنى «وعُرضوا على ربك صفاً»، أى فرداً فرداً فى صف واحد، ولهذه الأرض الجديدة علامات واضحة منها المساحة اللامتناهية التى تتسع لصف واحد، ومنها المكان القريب والبعيد، كما أشرنا سابقاً، هناك ٣ مواقع فى أرض الآخرة موقع المحاكمة وطابور العرض وموقع المؤمنين فى الجنة «وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمر»»، وموقع الكافرين فى حفر النار، كما قال الحبيب المصطفى، «وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمراً» سورة الزمر، أن تفرق الناس فى الأرض الجديدة جاء بعدة صيغ فى القرآن الكريم مثل أصحاب اليمين وأصحاب الشمال وأصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة، سورة الواقعة آية 8 «فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ»، وفى سورة البلد آية 18 «أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ»، وكذلك ما ورد بوضوح فى سورة الروم بالتفرقة الفورية بعد بعث الخلق مباشرة وفور قيام الساعة وبلا انتظار للمحاكمة والسؤال والحساب فسنخرج من قبورنا فريقين أحدهما مؤمن يتجه يميناً فى طابور العرض والصف الواحد، والآخر يتجه يساراً فى طابور العرض والصف الواحد، وجاءت الآيات ١٤ و١٥ و١٦ لتوضح تلك التفرقة بجلاء لا لبس فيه فى سورة الروم آية 14، وتأمل بدقة تعبير «وترى الملائكة حافين من حول العرش»، سورة الزمر، أى نراها رؤى العين ونرى العرش أمامنا كاملاً، والسعيد هو من ينظر إليه اللَّه ويكلمه، فتلك لحظة السعادة الكبرى، ثم سورة غافر تؤكد ذلك.. «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَىءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ»، وندعو اللَّه أن نكون من المغفورين لهم بإذن اللَّه، وتقول الآية «رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِى وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ»، أى إن المؤمن يدخل أهله أبويه وزوجه وأبناءه الجنة معه، الفرق بين العلم اللدنى لدى «آدم» ولدى «الخضر»، عليهما السلام، أن الله علّم آدم الأسماء كلها.