تجربة "صابر شاكر".. أستاذ جامعي ينجح في صناعة نموذج لتطوير التعليم المالي في مصر
صابر شاكر أثناء عرضه لتجربته
وسط عالم باتت تحكمه أنظمة تشغيل يتحكم فيها الآليون بشكل كلى دون تدخل يذكر من العنصر البشرى، وفى عصر تمكن فيه الروبوت من الجلوس على الحاسب لكتابة التقارير المالية التى تنشرها الصحف والمواقع الإخبارية، كان لزاماً على الدولة أن تسلك طريقاً جديداً لنظام التعليم يراعى مستجدات العصر الحالى، ويقضى على ما يسمى بـ«تعليم الكُتّاب» الذى عفا عليه الزمن، حيث أصبح التعليم هو الأداة الفعالة للتقليل والحد من الفجوة التكنولوجية التى أصبحت تسيطر على الساحة العالمية فى الوقت الحالى.
وفى لمح الصدف وجد «الوطن الاقتصادى» نموذجاً لأستاذ جامعى قطع خطوات فى هذا الطريق ليدخل نظاماً تكنولوجياً جديداً على الكتاب الجامعى لم يكن متعارفاً عليه من قبل هو الدكتور صابر شاكر، أستاذ الاقتصاد والتجارة الخارجية بجامعة حلوان، الذى حصل على الدكتوراه فى تنافسية التعليم الدولى، كما قام بوضع نظام الـQR Code فى كتابه الجامعى بهدف ربط المقررات الدراسية بعروض الفيديو وأسئلة إلكترونية يقوم الطالب بإجابتها والتعرف على مدى صحتها تلقائياً.
أستاذ بجامعة حلوان يربط الكتاب الجامعى بالإنجازات الاقتصادية للدولة بشكل لحظى من خلال تقنية "QR Code"
وأجرى «الوطن الاقتصادى» لقاءً معه، للتعرف على هذا النظام ومدى أهميته ومدى تجاوب الطلاب معه، ليبدأ حديثه بتعريف نظام الـQR فى الكتاب الجامعى، وهو اختصار لكلمتى الاستجابة السريعة Quick Response، ويتم استخدامه من خلال وضع كود معين على المطبوعات، وبمجرد توجيه كاميرا الهاتف المحمول المتصل بالإنترنت إليه ينتقل الهاتف إلى استعراض المحتوى المربوط بهذا الكود على شبكة الإنترنت، ويواصل «تأتى أهميته فى إنشاء تفاعل كان معدوماً بين الطالب والكتاب الجامعى ويساعد مؤلفى الكتب الجامعية على عملية التحديث بشكل دورى لتتواكب مؤلفاتهم مع التغيرات المحيطة بالبيئة الدولية، ويجعل البيئة التعليمية فى مصر صديقة للتكنولوجيا، كما أن هناك عدة مزايا لهذا النظام تتمثل فى ربط الموضوعات المشروحة بالكتاب بفيديوهات وأسئلة إلكترونية يقوم الطالب بإجابتها ومعرفة مدى صحتها تلقائياً، وكذلك إمكانية عمل المهام المطلوبة فى المحاضرات والسكاشن ورفعها على الإنترنت ليطلع عليها أستاذ المقرر، وبصفة عامة هو أداة لتحقيق متعة للتعلم مقارنة بالكتاب التقليدى، لذلك يطلق على المقررات التى تطبق QR Code مصطلح مقررات القرن الحادى والعشرين»، ويقول صابر شاكر «لا تقتصر استخدامات QR على تخصص علمى معين بل أداة يمكن تطبيقها على أغلب التخصصات مثل الطب، حيث يمكن تصوير عملية جراحية كاملة ورفعها على الإنترنت وربطها بالكتاب الجامعى مباشرةً، كما يمكن تطبيقه أيضاً فى تخصص التاريخ، حيث يتم ربط QR لعرض فيديو عن الحضارات القديمة والشخصيات التاريخية فى متن الكتاب، وبالتالى يمكن لأى فرع من العلوم الاستفادة من هذه التقنية، أيضاً يمكن الاستفادة من QR فى عمل نظام إلكترونى للغياب والحضور»، ويضيف «المفاجئ أن تكلفة تطبيق تقنية QR فى الكتب تكاد تكون صفراً بالنسبة للمؤلف الذى يمتلك الجدارات التكنولوجية، لأنه يعتمد على قدراته والموارد المجانية المفتوحة، مثل google forms وغيره، بينما فى حالة ابتعاد المؤلف عن الاستخدامات التكنولوجية فتظهر التكاليف لهذه التقنية لكنها لا تكون كبيرة إلا فى حالة عمل أنظمة معقدة ومتعددة الاستخدام»، ويشير «على الرغم من وجود صعوبات فى البيئة التعليمية فى مصر إلا أن هذه الصعوبات هى التى تحفز العقل البشرى ليبدع أفكاراً ويبتكر أدوات يتغلب بها على تلك الصعوبات».
وقام «شاكر» بمحاولة كسر الجدار العازل بين الطالب والأستاذ الجامعى، وذلك عن طريق عمل استبيان إلكترونى على صفحته الشخصية بموقع facebook، وطرح عدداً من الأسئلة على الطلاب، مثل أهم المشكلات التى تواجهها كطالب فى الكتاب الجامعى ومقترحاتك للتطوير وغيرها»، حيث قام بتحليل نتائج ذلك الاستبيان، ومن هنا جاءت فكرة إعداد أول كتاب جامعى فى مصر يدرج فيه QR فى المتن فى 2018، وخلال العام الحالى تم تقديم كتاب المالية العامة بتقنية QR، حيث تم التعريف ببعض المشروعات القومية المتنوعة التى تنفذها الدولة، مثل محور روض الفرج وهضبة الجلالة وحى الأسمرات ومدينة دمياط للأثاث، حيث تتم مناقشة الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية لتلك المشروعات وكيفية قياس العوائد منها وإتاحة الفرصة للطلاب للمناقشة والحوار.
وفى البداية احتاج الطلاب إلى مزيد من التوعية حول كيفية استخدام تلك التقنية، وبالفعل زادت درجة حماسة الطلاب وقد ظهر ذلك فى 2018، حيث فى نهاية تطبيقات الكتاب أدرج استمارة رأى الطلاب بشكل إلكترونى بصيغة QR فى المقرر وفقاً لمتطلبات الجودة، وتم تجميع حوالى 1023 استمارة إلكترونية، حيث تم التعرف من خلالها على أهم نقاط القوة والضعف ومقترحات التحسين، وأجمع أغلب الطلاب أنهم يريدون أسئلة وفيديوهات متنوعة فى الكتاب، وبالفعل فى 2019 تمت الاستجابة لذلك فى مقرر المالية العامة الذى يقدمه الدكتور صابر شاكر أيضاً.
ولاقت التجربة استحساناً من جانب القسم العلمى، وظهر ذلك بتوصية من المجلس رقم 245 بتاريخ 8 أبريل 2018، الذى أوصى بتعميم التجربة على مستوى القسم، ثم جاء الدعم من مجلس الكلية بجلسته رقم 273 بتاريخ 23 أبريل 2018، وقد توقف الدعم عند هذه النقطة، وفى انتظار دورهم فى تعزيز التجربة وتعميمها على مستوى الكلية والجامعة خلال الفترة المقبلة.
97% من المستخدمين: التجربة غيرت نظرتنا للتعليم
وفى استطلاع قام به «الوطن الاقتصادى» على طلاب الفرقة الثالثة شعبة تجارة خارجية بكلية التجارة وإدارة الأعمال، الذى تضمن ما يقرب من ٨٥٠ طالباً لمعرفة مدى إقبال الطلاب على الكتاب الجامعى الذى يحتوى على الـQR Code وما يتضمنه من مميزات وعيوب، وجد أن ٩٧% من الطلاب لديهم قبول للنظام الجديد، الذى يسهل الإجابة عن الأسئلة التى يحتاجها الطلاب فى المقرر الدراسى، ويوفر أيضاً من الوقت فى البحث عن المعلومات الخاصة بالمنهج المقرر، فيما يرى ٣% من الطلاب أن هناك صعوبة فى التعامل مع هذه التجربة، نتيجة فقد بعض الطلاب للهواتف الذكية فلا يستطيعون المشاركة، بالإضافة إلى عدم توافر الإمكانيات الخاصة بتقنية الإنترنت فى المدرجات الجامعية.
رئيس لجنة التعليم بـ"النواب": تجربة فريدة فى التعليم الجامعى
وفى محاولة من «الوطن الاقتصادى» لمعرفة مدى قبول هذه التجربة ومدى إمكانية تعميمها بشكل عام، قال الدكتور سامى هاشم، رئيس لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب، إن تجربة الكتاب الجامعى المتضمن لخاصية الـQR Code لم تكن موجودة من قبل سوى فى التعليم ما قبل الجامعى فقط، لذا فهى فريدة من نوعها فى المرحلة الجامعية، نتيجة امتلاك المقررات الدراسية أبحاثاً ذات صلة بالواقع العملى، مضيفاً أنه بالرغم من التقنيات التى يمتلكها الكتاب كسهولة التطبيق العملى للطلاب على كل مبحث دراسى يتم تناوله إلا أنه من الصعب تعميم الفكرة على كل المقررات الدراسية، وأوضح أن الـQR Code يحتوى على عدة روابط، منها ما يخص الموازنة العامة للدولة وفيديوهات تطبيقية بالإضافة إلى دراسات سابقة، مشيراً إلى أنه من الأفضل أن يتم إتاحة هذه الروابط على شكل رابط تشعبى أو ما يطلق عليه «الهايبر لينك»، لتسهيل عملية التحول من الكتاب الورقى إلى Soft Book Reader للتخفيض من حدة أعباء تكاليف الإنتاج.
عضو اللجنة: المسئولون مطالبون بإدراجها ضمن نظام التطوير
فيما طالبت الدكتورة ماجدة نصر، عضو لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب، الجهات المعنية بالنظر فى تنفيذ هذه التكنولوجيا الحديثة فى تطوير الكتاب الجامعى ضمن خطة تطوير المناهج الدراسية المُقرر لها أن تنطلق مع بداية العام الدراسى القادم، لافتة إلى أن خطة تطوير المناهج تتضمن تطويراً جزئياً وآخر كلياً، وترى أن تطوير نظام التعليم يحتاج إلى إحداث نقلة نوعية فى محتوى الكتاب الجامعى، على أن يتم ذلك بصورة غير تقليدية وفق إجراءات حاسمة وفاعلة، مضيفة أن خاصية الـQR Code تتميز بسهولة اطلاع الطلاب على التعرف من الوصف التفصيلى للجزء الذى يدرسه من خلال الفيديو المخصص لذلك أو وجود طرق أخرى، مدللة بمثال على نظام الكتاب الجامعى فى قسم الميكانيكا فى معظم كليات الهندسة الذى يحتوى على لينكات الفيديوهات ثلاثية الأبعاد لمحركات السيارة، حيث إن اتباع تلك الكليات هذه التقنية الجديدة سيحدث نقلة نوعية.