المراجعات بدأت منذ عهد "ابن تيمية" وتلامذته انقلبوا عليه ورفضوا أفكاره
محمود مهني وجمال فاروق
بدأت مراجعات السلفيين فى وقت مبكر، حيث السنوات الأولى للمؤسس الرسمى للمذهب الشيخ ابن تيمية، حيث تراجع العديد من طلابه وتلامذته، فبينما كان تلميذه «ابن القيم» يكيل له المدائح ويقوم على نشر علمه وأفكاره بين الناس، عاد العديد من تلاميذه عن تأييده، بل انقلبوا عليه واتهموه فى دينه وعلمه وأبرزهم الإمام الذهبى، الذى قال فى كتابه «تذكرة الحفاظ»: «وكان -أى ابن تيمية- من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين والزهاد والشجعان الكبار والكرماء الأجواد، أثنى عليه الموافق والمخالف»، ثم ألف «الذهبى» رسالة فى مدح ابن تيمية، بعنوان «الدرة اليتيمة فى سيرة ابن تيمية»، ثم ما لبث أن انتقل إلى النقيض متهماً شيخه فى دينه ودنياه بأفحش الاتهامات قائلاً فى كتابه «زغل العلم» ناصحاً لقارئه: «واحذر التكبر والعجب بعملك، فيا سعادتك إن نجوت منه كفافاً لا عليك ولا لك، فوالله ما رمقت عينى أوسع علماً ولا أقوى ذكاء من رجل يقال له: ابن تيمية، مع الزهد فى المأكل والملبس والنساء، ومع القيام فى الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت فى وزنه وفتشته حتى مللت فى سنين متطاولة، فما وجدت قد أخره بين أهل مصر والشام ومقتته نفوسهم وازدروا به وكذبوه وكفروه إلا الكبر والعجب، وفرط الغرام فى رياسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف وبال الدعاوى ومحبة الظهور، نسأل الله تعالى المسامحة، فقد قام عليه أناس ليسوا بأورع منه ولا أعلم منه ولا أزهد منه، وما سلطهم الله عليه إلا بذنوبه».
وكتب الإمام «الذهبى» لشيخه «ابن تيمية» رسالة ينصحه فيها بقسوة، قائلاً: «إلى كم ترى القذاةَ فى عين أخيك وتنسى الجذعَ فى عينك؟ إلى كم تمدَح نفسك وعباراتكَ، وتذم العُلَماءَ وتتّبع عوراتِ الناس؟ فهل معظم أتباعِك إلاّ قعيدٌ مربوطٌ خفيفُ العَقل، أو عامىٌ كذابٌ بليدُ الذهن، أما آنَ لَكَ أن تَرعوى، أما حانَ لكَ أنْ تتوبَ وتنيب؟».
وقد نقد «ابن تيمية» مؤسس الفكر السلفى، العديد من العلماء الثقات الذين عاصروه وممن جاءوا بعده، فقال المحدث الحافظ الفقيه ولى الدين العراقى فى كتابه «الأجوبة المرضية على الأسئلة المكية» عنه: «كان علمه أكبر من عقله»، وقال تقى الدين السبكى فى «الدرة المضية»: «أما بعد، فإنه لما أحدث ابن تيمية ما أحدث فى أصول العقائد، ونقض من دعائم الإسلام الأركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنة، مظهراً أنه داعٍ إلى الحق هادٍ إلى الجنة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذ عن جماعة المسلمين بمخالفة الإجماع، وقال بما يقتضى الجسمية والتركيب فى الذات المقدس، وأثبت الصفة القديمة حادثة والمخلوق الحادث قديماً، ولم يجمع أحد هذين القولين فى ملة من الملل ولا نحلة من النحل، فلم يدخل فى فرقة من الفرق الثلاث والسبعين التى افترقت عليها الأمة، وكل ذلك وإن كان كفراً شنيعاً مما تقل جملته بالنسبة لما أحدث فى الفروع». لقد وصل الخلاف فى «ابن تيمية» إلى حد التكفير والتضليل.
واستمر الخلاف فى «ابن تيمية» إلى ما بعده، فقال فيه الإمام المصرى الكبير ابن حجر العسقلانى صاحب أعظم شرح لصحيح البخارى عرفه المسلمون: «ابْن تَيْمِية عبد خذله الله وأضلَّه وأعماه وأصمه وأذلَّه، وَبِذَلِك صرح الْأَئِمَّة الذين بينوا فَساد أَحْوَاله وَكذب أَقْوَاله، وَمن أَرَادَ ذَلِك فَعَلَيهِ بمطالعة كَلَام الإِمَام الْمُجْتَهد الْمُتَّفق على إِمَامَته وجلالته وبلوغه مرتبَة الِاجْتِهَاد أبى الْحسن السُّبْكِىّ وَولده التَّاج وَالشَّيْخ الإِمَام الْعِزّ بن جمَاعَة وأهل عصرهم، وَغَيرهم من الشَّافِعِيَّة والمالكية وَالْحَنَفِيَّة، وَلم يقصر اعتراضه على متأخرى الصُّوفِيَّة بل اعْترض على مثل عمر بن الخطاب وَعلى بن أبى طالب رَضِى الله عَنْهُمَا كَمَا يَأْتِى. وَالْحَاصِل أنْ لَا يُقَام لكَلَامه وزن بل يَرْمِى فِى كلّ وَعْر وحَزَن، ويعتقد فِيهِ أَنه مُبْتَدع ضالّ ومُضِّلّ جَاهِل غال عَامله الله بعدله، وأجازنا من مثل طَرِيقَته وعقيدته وَفعله آمين».
وقال فى «الدرر»: افترق الناس فيه -ابن تيمية- شيعاً: فمنهم من نسبه إلى التجسيم لما ذكر فى العقيدة الحموية والواسطية وغيرهما من ذلك، ومنهم من ينسبه إلى الزندقة لقوله: إن النبى لا يستغاث به. ومنهم من ينسبه إلى النفاق لقوله فى على: إنه كان مخذولاً حيثما توجه، وإنه حاول الخلافة مراراً فلم ينلها، وإنه قاتل للرئاسة لا للديانة. ولقوله: إنه كان يحب الرئاسة وإن عثمان كان يحب المال. ولقوله: على أسلم صبياً والصبى لا يصح إسلامه، وبكلامه فى خطبة بنت أبى جهل فإنه شنع فى ذلك فألزموه بالنفاق لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «ولا يبغضك إلا منافق». ونسبه قوم إلى أنه كان يسعى فى الإمامة الكبرى، فإنه كان يلهج بذكر ابن تومرت ويطريه.
وقال الشيخ ابن حجر الهيثمى محذراً منه: «وإياك أن تصغى إلى ما فى كتب ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم، وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله، وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدوا الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم، وليسوا كذلك بل هم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأبلغ المقت والخسران وأنهى الكذب والبهتان فخذل الله متبعه وطهر الأرض من أمثالهم».
"جمعة": آراؤه مخالفة والأزهر لا يدرّس كتبه ولا يعتبره مصدراً
وقال الدكتور على جمعة، مفتى الجمهورية السابق، عضو هيئة كبار العلماء، إن ابن تيمية كان عالماً واسع الاطلاع لكنه لم يكن له شيخ معتمد، كما توفرت فيه عدة أمور منها أنه كان حاد الذكاء والمزاج. وأضاف فى تصريحات له، أن الذكاء صفة إيجابية، لكنه حاد المزاج وليس له شيخ، وهذه صفات سلبية عند العلماء، وكان متفرغاً للعلم ما جعله يترك إنتاجاً وفيراً، وكثير الأخطاء أيضاً خاصة فى مجال العقيدة.
وتابع: «ابن تيمية جاء بأشياء غريبة عجيبة مخالفة لمفهوم الناس»، مشيراً إلى أن الأزهر لا يدرّس كتبه ولا يعتبره مصدراً، بل يتم التطرق إلى مسيرته فقط كحالة فقط، ولفت على جمعة إلى أن فتاوى ابن تيمية اشتملت على أخطاء عديدة.
"مهنى": أفكاره غابت بسبب نقد العلماء له 5 قرون وعادت لأسباب سياسية وهى سبب كل التشدد الذى نعيشه
وقال الدكتور محمود مهنى عضو هيئة كبار العلماء، إن ابن تيمية كان متشدداً وهو ما أدى لتفرق طلابه من حوله، وأضاف أن العلماء قاوموا فكره واستطاعوا القضاء عليه، ولم نجد له ذكراً قرابة الخمسة قرون إلا بالسلب والنقد والقدح، إلى أن جاء البعض وحاول التمايز والاختلاف فتبنى فكره وأعاد نشره وشغل به الدنيا، وأدخل المسلمين فى أزمات لا نهاية لها، وذلك لأسباب سياسية.
وأوضح أن «ابن تيمية» كان يأخذ المسائل على ظاهرها، وكل التشدد الذى نعيشه مصدره ومنبته فكر ابن تيمية، وعلينا أن نواجه هذه الأفكار بكل قوة كما فعل أئمتنا السابقون، فقد نقدوا عليه علمه وعقله وأخلاقه ولم يدعوا مأخذاً عليه إلا أوضحوه.
"فاروق": السلفيون متشددون وأصحاب مدارس تكفيرية ويخرجوننا من "الملة"
وقال الدكتور جمال فاروق، عميد كلية الدعوة الإسلامية: «إن السلفيين المتشددين وأصحاب المدارس التكفيرية لا يرضون بإدخالنا فى الملّة، ومع ذلك فإننا لا نكفر أحداً من أهل القبلة».
وأوضح «فاروق» فى محاضرة له، أن هناك كتباً لـ«ابن تيمية» فيها الرأى الذى يوافق أهل السنة ونقيضه.