أيهما أكثر احتياجاً للآخر.. المرأة أم البرلمان؟
سؤال يبدو غريباً لكن الأغرب منه أن يظل الحوار حول المشاركة السياسية للمرأة لأكثر من ستين عاماً يركز على حق المرأة فى التمثيل السياسى وكأنها تتسول تمثيلها فى البرلمان، دون أن يتطرق الحديث عن الضرورة الحتمية لهذا التمثيل كإحدى ركائز التنمية، فإذا كانت تقارير التنمية ترصد بصورة متواترة أن النساء أقل فساداً، يصبح الحتمى هو ضرورة وجود النساء بنسبة كبيرة فى برلمانات مصر التى أصبح الدافع الأساسى للترشح فى كثير من الأحوال له هو المصالح الشخصية والبحث عن الحصانة وتبادل الصفقات لنجد نواب القروض تارة والمخدرات تارة والعلاج على نفقة الدولة تارة ثالثة وغيرها من أعمال الفساد التى طالت حتى برلمان ما بعد الثورة.
إذا كانت تقارير البنك الدولى وصندوق النقد وكبرى المؤسسات الاقتصادية تؤكد أن النساء أكثر قدرة على إدارة الموارد وربط التخطيط بالنتائج، لذا فالبرلمان بحاجة لأمهات لمتابعة الإنفاق والميزانية وتحليل الفاقد ووضع سياسات تقشف على الحكومة وليس على الفقراء فى وقت تستخدم الحكومة فيه أفخم المركبات وبدلات اجتماعات والدرجات الأولى فى الطائرات، البرلمان بحاجة إلى أمهات لتحديد أولويات الإنفاق والحد من المبالغ الضخمة التى تنهب من الفساد وإحالتها إلى الصحة والتعليم، وتحسين الخدمات العامة المقدمة لمواطنين يدفعون للدولة مقابل خدمات عادة لا يحصلون عليها.
إذا كانت كبرى المؤسسات الاقتصادية ترى أن النساء أثبتن قدرات أعلى على حسابات المخاطر فالبرلمان بحاجة إلى سيدات يملكن الإحساس بالخطر ويتحسبن له لصالح الأجيال الحالية والأجيال المقبلة لا لنواب بدرجة موظفين يحصلون على بدلات المجلس الموقر وليذهب الجميع للجحيم، بمنطق «عيشنى النهارده وان شالله تولع بكرة»، أو «إذا اتهد بيت أبوك الحق منه طوبة».
ما بعد الثورة، ما زال التعامل مع قضية المرأة كقضية شكلية من كل الأطراف، والوقوف عند ذات المقولات المستهلكة من أن المعركة الانتخابية ستكون شرسة وأن الأحزاب تناضل من أجل الحصول على أصوات وهذا نذير خطر يؤكد أن بدون «كوتا» محددة لن تحصل المرأة على أى شىء، ولن يتغير البرلمان عن نظام مبارك قيد أنملة وسيظل الحاكم فى قضية المرأة هو الاستخدام.
على مستوى التمثيل كمرشحات:
لن تبذل القوى السياسية فى مصر جهداً حقيقياً لدعم النساء للمنافسة على المقاعد البرلمانية، إنما ستكتفى بالتمثيل الديكورى ليس فقط على قوائمها الانتخابية، بل فى هياكلها التنظيمية أيضاً، فالأحزاب دائماً ما تعلن عن اعتدادها بدور المرأة على مستوى الخطاب السياسى، ولكن دون المستويات الأخرى. ولن تسمح بمشاركة النساء بصورة حقيقية فى صناعة القرار الانتخابى أو دراسة الخريطة الانتخابية والمساهمة فى حسابات المكسب والخسارة.
على مستوى الناخبات:
سيتم استغلال تضرر النساء من التراجع الاقتصادى وفشل السياسات لحشدهن بأعداد كبيرة للتصويت من أجل الحصول على حفنة جنيهات فى سوق كبير كانت النساء فيه الأرخص كمّاً وموضوعاً.
كما تم استخدامهن كوقود للحملات الانتخابية دون حصاد أى مكسب سوى صعود تيار أثر بالسلب على فتات الحقوق التى حصلن عليها.
على مستوى أعمال البلطجة:
سيتم استخدام النساء المسجلات خطر على نطاق واسع لإعاقة العملية الانتخابية، ورد أنصار المنافسين باستئجار خدماتهن والتحرش بالناخبين وترويع الناخبات.
الأمر الذى ستكون معه الانتخابات البرلمانية انتخابات «كاشفة» بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ، فما زالت الأحزاب لا تعطى سوى «من طرف اللسان حلاوة»، وما زال صناع التشريع لا يرون ضرورة لـ«كوتا» تضمن مشاركة المرأة معتقدين أنها هى الأكثر احتياجاً للتمثيل فى البرلمان ولكن فى الحقيقة البرلمان هو الأكثر احتياجاً للمرأة إذا أردنا لهذا البلد خيراً.