مسكين حزب النور السلفى، أيد المشير عبدالفتاح السيسى باعتباره الأجدر لرئاسة مصر مقارنة بمنافسه حمدين صباحى، شأنه فى ذلك شأن العديد من القوى السياسية والحزبية، لكن موقفه لم ينل ترحيباً مناسباً من أحد سواء كان محسوباً على التيار الإسلامى بأشكاله المختلفة، أو من قوى سياسية تؤيد السيسى ولكنها ترى فى موقف حزب النور انتهازية ونفعية تضر المشير ولا تنفعه. بل هناك من رأى أن الحزب يخدع المشير والمصريين معاً.
وفى تصورى أن موقف حزب النور يحتاج منا نظرة مركبة تستند إلى فهم طبيعة التحولات السياسية الكبرى التى تجرى فى مصر خاصة موقع الأحزاب الراهنة ومستقبلها. وحتى لا نقع فى المبالغات أياً كان اتجاهها، فمن التذكير بأن المشهد المصرى بكامله الآن هو مشهد متغير ومتقلب بين لحظة وأخرى وسوف يستمر فترة طويلة حتى تتبلور ملامح واضحة للمشهد السياسى والأوزان النسبية لكل طرف. كذلك فإن الخريطة الحزبية والسياسية تتصف بقدر كبير من السيولة وعدم الوضوح، وأن وجود لافتة لحزب معين لا يعنى إطلاقاً أن هذا الحزب موجود فى الواقع أو أن لديه فرصة للتأثير على فئات كبيرة من المصريين. ومع ذلك فهناك عدد محدود جداً من الأحزاب يمتلك قاعدة شعبية وأساساً فكرياً وبناء مؤسسياً معقولاً يسمح بالاستمرارية وتجنيد مزيد من الأعضاء، أو على الأقل الحفاظ على نسبة حضور معقولة فى المشهد السياسى ككل كحزب الوفد مثلاً. ومن بين هؤلاء أيضاً حزب النور السلفى الذى يستند إلى من يؤمنون بالرؤية السلفية باعتبارها صحيح الدين، وينتشرون فى مواقع عديدة من البلاد، مع الاستطراد بأن حزب النور لا يستحوذ على تأييد كل السلفيين نظراً لكثرة شيوخهم واتساع الفجوات بينهم.
ومن المهم التذكير أيضاً بأن حزب النور شارك فى تأييد ثورة 30 يونيو.. واستند موقفه جزئياً إلى أن هذا التأييد فيه حماية للمشروع الإسلامى بالمنظور الواسع، وليس كما روج له الإخوان ومناصروهم من السلفيين الجهاديين وبقايا الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد والتكفيريين، وبعض دعاة الدعوة السلفية الذين برزوا فى عهد الإخوان ثم خبتت أضواؤهم وزالت منافعهم مع انزلاق الإخوان إلى العنف والإرهاب الصريح. وفى هذا السياق يرى حزب النور وقياداته أن موقفهم بدعم 30 يونيو وخريطة الطريق هو موقف عملى فى حدود المتاح يدعم وجود المشروع الإسلامى من وجهة نظر سلفية وليس العكس، وهو موقف يراعى المتغيرات ويراعى موقف جموع الشعب، ويراعى ثالثاً عدم القدرة على مواجهة الدولة ومؤسساتها باعتبار أن هذا خيار عبثى خاسر فى المبتدأ والمنتهى على السواء.
قيادة الحزب والناطقون باسمه كانوا واضحين تماماً فى تفسير موقف التأييد للمشير استناداً إلى أسباب عدة، كلها تدخل فى صميم التحليل السياسى وليس الدينى الصرف، وتقديرات المواقف القائمة على الموازنة بين الربح والخسارة، والترجيح العقلى بين العائد المتوقع والخسارة المحتملة. ومن تلك الأسباب القول إن فوز المشير شبه مؤكد وبنسبة عالية ولا عائد للحزب إن دخل فى معركة معه الآن أو لاحقاً، وكما قال نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامى عن السيسى إنه متغلب بالشوكة، أى أنه «غالب غالب»، ومن كان كذلك فالأوفق أن يتم التعاون معه على البر والتقوى وحماية مصالح العباد. وثانياً أن المعركة الآن هى معركة لحماية الدولة من الانهيار والمشير هو الأقدر على القيام بهذه المهمة الكبيرة، لأن سقوط الدولة يعنى الفوضى وتلك بدورها ضد الدين والشرع وضد مصالح العباد.
وثالثاً أن المشير رجل يقيم الدين من صلاة وزكاة ومراعاة حقوق الناس بالفطرة، والغالب أن التزامه بالتدين وإقامة الدين ليست بالطريقة التى يؤمن بها السلفيون، ولكنها ليست مضادة لها وبالتالى فهناك تقاطعات إيجابية بين الأمرين. ورابعاً أن الرجل ليس أيديولوجياً ولا علمانياً ولا يرتبط بحزب سياسى، وليست له شلة أو جماعة تحيط به، وتلك بدورها فرصة للتحاور معه وتقديم النصح والسعى إلى طرح أولويات تفيد الحزب وأفكاره ورؤيته للوطن. وخامساً أن البيئة السياسية العامة فى مصر لا تلفظ الإسلاميين ما داموا فى حال تكيف مع شروطها العامة، وأهمها الالتزام بالدستور والقانون، وكلاهما غير مضادين لتطبيق الشريعة، ولكنهما يسمحان بالدعوة إلى تطبيقها ولو بتدرج، وتلك بدورها فرصة لاستمرار حزب النور فى لعب دور مهم سياسياً ومن منظور تأكيد بقاء واستمرار الحركة السلفية.
مثل هذه التقديرات قائمة على رؤية سياسية تنطلق من أن المصلحة الرئيسية لحزب النور هى البقاء فى المشهد السياسى كحزب ذى مرجعية إسلامية سلفية تؤمن بالوطن والدولة والمؤسسات، وكذلك الاستفادة من خروج جماعة الإخوان ومن يناصرونهم من الأحزاب ذات الوجود الهامشى من هذا المشهد كالأصالة والفضيلة السلفيين وحزب البناء والتنمية وحزب الاستقلال «الشعب سابقاً» وغيرهم ممن يبرعون فى الصراخ والتهديدات والتورط فى العنف وتبريره.
لكن يظل السؤال إلى أى مدى يمكن أن يكون تأييد حزب النور للمشير السيسى مفيداً من ناحية زيادة نسبة التصويت وإعلاء درجة الفوز المرجح؟ هنا تأتى الشكوك أو لنقل الضبابية فى الترجيح، فاستناداً إلى موقف سابق لحزب النور حين أعلن تأييده لدستور 2014، وقيامه بحملة لإقناع قواعده بالتصويت للدستور انطلاقاً من كونه يؤكد أن الشريعة هى المصدر الأساسى للتشريع، وأن الدستور يتضمن الكثير من المبادئ التى تفيد المجتمع ولا تتناقض مع الرؤية السلفية، لكن توجد مؤشرات عديدة أيضاً بأن قواعد الحزب لم تشارك بالكثافة الكبيرة التى كانت متوقعة فى الاستفتاء على الدستور، وبعض التحليلات ترى أن قيادات الحزب ليست مسيطرة تماماً على حركة القواعد الحزبية، وأن كثيراً من شيوخ الدعوة السلفية ناقضوا موقف حزب النور. وإن صح هذا الاستنتاج فمن يضمن أن موقف حزب النور بتأييد المشير السيسى سيكون له الصدى المناسب لدى قواعد الحزب، وأن مشاركتهم فى الانتخابات ستكون لصالح السيسى مما سيرفع نسبة التأييد له؟ الحق أن لا أحد يضمن ذلك، تماماً كعدم وجود ضمانات بأن الأحزاب أو القيادات السياسية والرموز المؤثرة نوعاً ما سيؤثرون بالفعل فى توجهات المواطنين. فالذين يؤيدون المشير ويرونه الخلاص من مأزق الانهيار والفوضى، سيدلون بأصواتهم لصالحه عن طيب خاطر وبلا رتوش.