مغيث: فرنسا من أكثر الدول الأوروبية دمجا للمسلمين لكنهم يعانون أيضا
الدولة استعانت بوعاظ مسلمين أجانب لإقناع الشباب بالابتعاد عن الجريمة
الدكتور أنور مغيث أستاذ الفلسفة والرئيس السابق للمركز القومي للترجمة
اعتبر الدكتور أنور مغيث، أستاذ الفلسفة رئيس المركز القومي للترجمة السابق، أن موقف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قضية ذبح المدرس الفرنسي، لا ينطوي على عداء متعمد من جانبه للإسلام والرسول، مرجعا دوافع ماكرون في مواقفه من الإسلام والمسلمين وردود فعله في الأزمة الأخيرة، إلى عوامل أخرى بينها أغراض انتخابية، لافتا في الوقت نفسه إلى أن الدولة الفرنسية نفسها لها دور "في التغاضي عن التطرف بل وتشجيعه".
وكان ماكرون قد أعلن تأييده لموقف المعلم الفرنسي الذي تعرض للذبح بعد عرضه على طلابه رسوم كاريكاتورية تصور النبي محمد خلال درس عن التطرف وحرية التعبير، وقال ماكرون، خلال احتفالية بالسربون لتشييع المدرس الراحل "سنواصل أيها المعلم.. سندافع عن الحرية التي كنت تعلمها ببراعة"، وتابع "لن نتخلى عن الرسومات والكاريكاتيرات، وإن تقهقر البعض، سنقدم كل الفرص التي يجب على الجمهورية أن تقدمها لشبابها دون تمييز وتهميش، سنواصل أيها المعلم مع كل الأساتذة والمعلمين في فرنسا، سنعلم التاريخ مجده وشقه المظلم وسنعلم الأدب والموسيقى والروح والفكر".
مغيث: للمسلمين في فرنسا طبيعة خاصة تختلف عن بقية دول أوروبا
وقال "مغيث" الذي سبق وعاش في فرنسا فترة طويلة من حياته، في تصريحات خاصة لـ"الوطن":إنه "لكي نفهم مواقف ماكرون من الإسلام والمسلمين، لا بد أن نفهم الطبيعة الخاصة للمسلمين في فرنسا، والتي تختلف عن بقية دول أوروبا، حيث إن فرنسا هي أنجح الدول الأوروبية في إدماج المسلمين داخلها، والمسلمون فيها موجودون في كل قطاعات الدولة، من أول الوظائف الدبلوماسية ورئاسة الجامعات والأطباء والمهندسين، وأي موظف في أي مصلحة حكومية في أي قرية، وهو ما يظهر كذلك في وصول نسبة الأبناء من الزواج المختلط بين العرب والفرنسيين إلى 15% من المواليد".
وأضاف موضحا: "على عكس المسلمين في إنجلترا وألمانيا الذين يمثلون طائفة منغلقة على ذاتها ومهمشة بطبيعتها، وبالتالي يمكن أن يلبسوا أو يتصرفوا كيفما يشائوا لأنهم يعيشون مع بعضهم فقط، فإنهم في فرنسا جزء من المجتمع فعلا، وهم ما يفسر الحدة المتبعة هناك في ضرورة ضبط سلوك المواطنين الفرنسيين المسلمين، وما حدث من إصدار قانون لحظر الحجاب في المدرسة لكي لا يكون هناك تمييز طائفي منذ البداية، بالإضافة لحظر النقاب في المجال العام بحيث يكون أي مواطن مكشوف الهوية لغيره من المواطنين"، مضيفا: "رغم أن هذه القوانين تبدو وكأنها عداء للإسلام، ولكن حقيقة الأمر أن ما فرضها هو اندماج المسلمين في الحياة الاجتماعية بشكل عام هناك".
ويمثل الدين الإسلامي الديانة الثانية في فرنسا بعد المسيحية الكاثوليكية الرومانية من حيث عدد السكان، أما من حيث دور العبادة، فتحتل دور العبادة الإسلامية المرتبة الثالثة بعد الكنائس البروتستانتية، ويقدر عدد المساجد بنحو 6912 مسجداً ودار عبادة في 95 مقاطعة فرنسية، منتشرة في أنحاء فرنسا، بينها 60 مسجداً فقط بمئذنة، وفقاً لموقع "ميزليمانيا ووردبرس".
رغم اندماج المسلمين في المجتمع فإن نسبة كبيرة منهم تعاني من نقص في التعليم ومستوى معيشي أقل من المتوسط
إلا أن "مغيث" استدرك قائلا: "رغم أننا نتحدث عن وجود اندماج للمسلمين في المجتمع، إلا أنه ليس معنى ذلك أنهم يعيشون في فرنسا بدون مشاكل، خاصة وأن نسبة كبيرة من المسلمين تعيش في ضواحي المدن الكبرى مفتقرين للخدمات، ويعانون من نقص في التعليم ومستوى معيشي أقل من المتوسط، وبالتالي تنتشر بينهم نسبة من الجنح مثل سرقة الموبايلات والدراجات أو ترويج المخدرات، وهو ما يشير لتقاعس في دور الدولة لإنقاذ هؤلاء، وهم طبعا مواطنين فرنسيين".
وأشار إلى أنه بسبب انتشار الجنح والسرقة في الأحياء الفقيرة شجعت الحكومة وقتها قدوم وعاظ مسلمين من خارج فرنسا، لإقناع الشباب بالابتعاد عن السرقة، وبالفعل نجح ذلك في الحد من الجريمة، لكن لوحظ أن الذين أقعلوا عن الجريمة أصبحوا متطرفين يهددون البنات المسلمات غير المرتديات للحجاب بأنهم سيعتدون عليهن، ويمنعونهن من الذهاب للأندية الرياضية والساحات العامة، ونشروا التطرف في الضواحي، وكان ذلك في أواخر الثمانينات".