فى يوم الثلاثاء الموافق الثانى من مارس 2021م، حظيت بشرف إلقاء محاضرة عن «تطبيقات الذكاء الاصطناعى فى الضبط الإدارى والقضائى فى مجال البلديات»، ضمن «برنامج التكوين الأساسى للتأهيل لمنح صفة الضبطية القضائى لمفتشى بلدية العين»، والمنعقد فى أكاديمية أبوظبى القضائية. والواقع أن هذه المحاضرة كانت استكمالاً لمحاضرة أولى نظرية عن الموضوع، بينما كانت المحاضرة الثانية عبارة عن تدريب عملى لمناقشة تقارير المتدربين فى سبل استخدام الذكاء الاصطناعى فى الضبط الإدارى والقضائى للمخالفات والجرائم البلدية. وبالنظر لأهمية المقترحات التى أدلى بها المتدربون، ارتأيت من المناسب أن أشارك القارئ العزيز بعض هذه المقترحات والأفكار. فمن ناحية أولى، تحدث بعض المتدربين عما سموه «الرصيف الذكى»، مؤكدين استخدامه فى التعرف على السيارة فى أماكن الوقوف (Parking)، ويقوم بخصم التعريفة المحددة للوقوف تلقائياً من رصيد مالك السيارة، إن كان لديه رصيد مالى فى حسابه، أو تحرير مخالفة له إن لم يكن لديه رصيد أو كانت السيارة فى مكان ممنوع الوقوف فيه، كأن تكون السيارة متوقفة مثلاً بدون وجه حق فى أماكن الوقوف المخصصة لأصحاب الهمم أو كانت متوقفة فى الأماكن المخصصة لسيارات الدفاع المدنى فى حالة نشوب حريق. ويحدث كل ذلك من خلال تكنولوجيا الاستشعار، دونما تدخل بشرى.
من ناحية أخرى، اقترح بعض المتدربين استخدام تقنية الليزر (Light Detection and Ranging) فى إجراء المسح أو تحديد المدى عن طريق الضوء أو الليزر، وهى تكنولوجيا استشعار عن بُعد مرئية باستخدام نبضات من الضوء، عادة ما تكون أشعة ليزر، ويتم عن طريقها حساب المسافات أو خصائص الأهداف المرصودة. وفى الاتجاه ذاته، تطرق بعض المتدربين إلى استخدام «نظام المراقبة بالاستشعار»، وهو نظام يعتمد على أدوات إلكترونية يمكنها استشعار الظروف والمؤثرات المحيطة وإرسال إشارات كهربائية قابلة للقراءة. ويعتمد هذا النظام على تصنيف المجسات إلى خمسة أصناف، هى المجسات الضوئية، مجسات اللمس، المجسات الحرارية، مجسات الأمواج فوق الصوتية. وفى الإطار ذاته، تحدث بعض المتدربين عن سيارة تجوب الشوارع فى مدينة العين، تقوم برصد وتقييم البنية التحتية من حيث حالة الطرق والعمر الافتراضى لها وحالة الصيانة، وبناء على ذلك يمكن للإدارة تحديد الأولويات فى الصيانة، وتعتمد هذه السيارة فى أداء هذه الوظائف على تقنية التقاط الصور وأجهزة الاستشعار.
ومن ناحية ثالثة، ونظراً لأن البلديات فى إمارة أبوظبى مختصة بالترخيص ومراقبة ومتابعة محلات بيع الحيوانات، والتأكد والتحقق من التزامها بالاشتراطات والمعايير الصحية، لذا تحدث بعض المتدربين عن أحد الأنظمة المطبقة فعلاً لدى بلدية مدينة العين، ويتمثل فى استخدام «نظام تتبع السيارات» التى تنقل الحيوانات؛ للوقوف على درجة حرارة السيارة، وما إذا كانت ملائمة لنقل الحيوانات، أم يمكن أن تؤدى إلى نفوقها وموتها، ويكون ذلك من خلال كاميرا موجودة داخل السيارة، توضح وضعية الحيوان، وهذه الكاميرا موصلة مباشرة مع النظام الإلكترونى المستخدم لدى الجهة الحكومية.
وأخيراً، تحدث بعض المتدربين عن «نظام المراقبة بالكاميرات»، بحيث يتم تركيب كاميرات بالمحلات المراد تفتيشها، وتكون هذه الكاميرات مرتبطة بأجهزة استقبال لدى الإدارة المعنية، سواء على الحواسيب الثابتة أو المحمولة أو على أجهزة الهاتف الذكى. وفى الاتجاه ذاته، تحدث بعض المتدربين عن «نظام التفتيش عن بُعد» أو «نظام التفتيش الذاتى عن طريق استخدام الهاتف الذكى». ويقوم هذا النظام على إعداد تطبيق ذكى تفاعلى يتيح للمفتش إجراء التفتيش على المحلات العامة، بحيث يقوم صاحب المحل أو مديره من خلال هاتفه الذكى بإجراءات التفتيش الذاتى الدورى عبر خاصية التصوير المباشر وبمشاركة المفتش عن بعد.
وبإمعان النظر فى التجارب والمقترحات سالفة الذكر، يلاحظ أن بعضها يقوم على تسخير وسائل التكنولوجيا الحديثة فى القيام بمهام الضبطية القضائية ومراقبة مدى التزام المحلات العامة بتطبيق القانون، دون أن يصل الأمر إلى حد الحديث عن المدينة الذكية أو الحكومة الذكية أو استخدام الذكاء الاصطناعى. ومع ذلك، فإن الطريق إلى المدينة الذكية والحكومة الذكية يبدأ من خلال تعظيم استخدام وسائل التكنولوجيا وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة فى شتى جوانب حياتنا، بما يفتح المجال فيما بعد نحو استخدام الذكاء الاصطناعى والروبوت فى القيام بالعديد من المهام التى كانت حكراً فى السابق على بنى البشر. كذلك، نعتقد من الملائم تحفيز وتشجيع المتدربين والدارسين وطلاب العلم فى التخصصات كافة، على أن يكون الحديث عن الذكاء الاصطناعى عنصراً أساسياً فى حياتهم المهنية، وبحيث يكون شغل مجتمعاتنا الشاغل هو السؤال التالى: كيف نكون مشاركين فى الثورة الصناعية الرابعة، وليس مجرد مستهلكين لمنتجاتها؟ والله من وراء القصد.