تتطلب الرؤية التى تسعى لتحقيق التقدم المنشود وإحداث الطفرة المأمولة فى جميع المجالات، من جميع المؤسسات المصرية ومن كل المصريين والمصريات دون استثناء، احترام الدستور والقانون. ولا ريب أن الفترة التى أعقبت أحداث يناير 2011 قد شهدت تراجعاً حاداً عن مبدأ احترام الدستور والقانون، من جانب كل من المؤسسات والأفراد. واستمرأ البعض انتهاك الدستور والقانون، وامتدح البعض من دعاة الفوضى تلك السلوكيات المشينة، ولا سيما أن قد وصل بعض ممن لا يقدّرون ذلك المبدأ وثيق الصلة بالدولة الوطنية الحديثة إلى أرفع المناصب. ولا يُعتبر النص على ضرورة القسم على احترام الدستور والقانون قبل ممارسة المنصب العام فى المؤسستين التنفيذية والتشريعية ترفاً أو إجراء شكلياً، بل يأتى متسقاً مع أهمية ذلك المبدأ الذى لا تستقيم إدارة الدول بدونه. يُعد الدستور الوثيقة الأساسية فى الدولة التى تسمو على ما عداها من قوانين وقرارات ولوائح، وهى التى تحدد نظام الحكم وتكوين السلطات العامة واختصاصاتها والعلاقة فيما بينها، كما تنص على حقوق المواطنين وحرياتهم. ويعنى أداء القسم احترام مواد الدستور وعدم مخالفة أى مادة من مواده. لا يمكن لأى أغلبية فى المؤسسة التشريعية، مهما بلغت نسبتها، أن توافق على قانون مخالف للدستور الذى تسمو مواده على ما عداها.
وتناط بالمحكمة الدستورية أو العليا، أو بالمجلس الدستورى فى بعض النظم، مهمة الفصل فى مدى دستورية القوانين. ومن ثم، يتعين على جميع مؤسسات الدولة احترام مواد الدستور، الأمر الذى يتسق مع أداء القسم، ويمثل رسالة إيجابية لجميع المواطنين ترسخ لديهم قيمة الدستور وأهمية احترامه. ونتطلع إلى التخلص من شوائب ظاهرة الاستخفاف بمواد الدستور التى اشتد عودها خلال الفترة الكئيبة التى عانت منها مصر وشقى بها المصريون بعد أحداث يناير 2011. ويرتبط بمبدأ احترام الدستور المسئول عنه بالأساس مؤسسات الدولة وشاغلو المناصب العامة، احترام القانون، والذى يخاطب كلاً من المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والمواطنين. ولا يمكن لدولة أن تحقق تقدماً فى أى من المجالات ما لم يكن احترام القانون قاعدة أساسية، سواء فى تعاملات المواطنين مع المؤسسات الحكومية، أو مع بعضهم البعض.
نشأت فكرة الدولة مرتبطة بوجود سلطة عامة لها الحق فى حماية أرواح الأفراد وممتلكاتهم، وتحتكر هذه السلطة العامة مهمة توقيع الجزاء على المخالفين. ومع تطور وتعقد العلاقات بين المواطنين والسلطة العامة، وفيما بينهم، تعددت القوانين، واتسعت المجالات التى تتناولها، والحالات التى تتعامل معها. وتنص القوانين على الجزاءات الواجب توقيعها على المخالفين، والتى تطبق على جميع المخالفين دون استثناء. وتكون أجهزة الأمن مسئولة عن مراقبة احترام القوانين، وإلقاء القبض على المخالفين ومرتكبى الجرائم وإحالتهم إلى الهيئات القضائية المختصة، التى تتولى التحقيق وتوجيه الاتهام والحكم بالعقوبات المنصوص عليها فى القوانين. ويُعتبر وجود جهاز أمن قوى وكفء ركيزة أساسية لاحترام القانون، إلى جانب وجود مؤسسة قضائية مستقلة وفاعلة.
وقد ابتُليت مصر بآفتين من تداعيات أحداث يناير وما بعدها، ونتمنى أن تتخلص منهما سريعاً. تتمثل الأولى فى ظن البعض، من غير المجرمين ومخالفى القوانين، زوراً وبهتاناً، أن إضعاف جهاز الشرطة يُعتبر أمراً إيجابياً. وينسى هؤلاء أو يتناسون أن وجود الشرطة ضرورى لحماية الأرواح والممتلكات، وأن مرتكبى الجرائم فقط هم من يتمنون اختفاء الشرطة تماماً، كى يرتكبوا الجرائم وهم فى مأمن من العقاب. وتكمن الآفة الأخرى فى الجرأة على انتهاك القانون دون اكتراث، استناداً إلى استخدام طريقة ما من طرق الفساد للإفلات من العقوبة. ويكمن الحل، من وجهة نظرى، فى أن تضطلع الأجهزة الأمنية بتطبيق القانون على الجميع دون استثناء، حتى تستعيد الدولة كامل هيبتها. ولا يعنى وجود جهاز شرطة قوى الاعتداء على المواطنين أو الانتقاص من حقوقهم، بل فرض احترام القانون على المخالفين دون أى استثناءات. كلمة أخيرة، لا تعنى الديمقراطية، كما يظن البعض خطأ أو جهلاً، غياب الأمن أو ضعف أجهزة الشرطة. وتتسم أجهزة الشرطة فى أعرق النظم الديمقراطية بالشراسة فى تطبيق القانون على جميع المخالفين، اتساقاً مع أداء مهمتهم فى حفظ الأمن والتى تُعد من أهم الوظائف التى من أجلها نشأت الدولة.