لو كانت الفائدة الوحيدة من السفر أن تعرف أن ما كنت تظنه خللاً فيك أو تزمتاً أو «حنبلية» لا داعى لها إنما هى أبجديات الحياة وبديهيات الحقوق لاستحق ذلك العناء. دول عالم ثالث وأول وما بينهما لا تجد فيها اللامبالاة الممنهجة وضرب عرض الحائط بقواعد الأمان وخرق قوانين المرور كالسائدة عندنا. دعك من الإفراط فى التفاؤل والمطالبة بمراعاة عدم زرع أشجار أو وضع لوحات تعيق رؤية القادم أثناء استخدام «اليوتيرن»، أو منع اللوحات الإعلانية ذات الأضواء المتحركة والمبهرة على الطرق، وهو ما من شأنه أن يشتت انتباه السائق رغماً عنه، أو حتى أن تكون الخطوط المحددة للحارات أى شىء غير أن تكون متداخلة فيجد السائق الملتزم بها نفسه ملتحماً بسيارة أخرى، ودعونا نركز فى آفاتنا الكبرى على الطريق: السرعات الجنونية، السير عكس الاتجاه، اعتبار لوحات الأرقام إكسسواراً يمكن الاستغناء عنه، واعتبار مركبات مثل التوك توك والتروسيكل والدراجات النارية والـ«تمناية» لعب أطفال. أتعجب كلما رأيت السيارات الطائرة على الطرق السريعة التى يفترض أنها مراقبة بالرادار والكاميرات. فكيف يمكن لسيارة يعلم قائدها أنه مراقب أن يتعدى سرعة الـ120 كم/الساعة، المسموح بها، إلى 160 كم/الساعة بكل ثقة وأريحية إلا لو كان مجنوناً أو مسنوداً؟! وكيف يمكن لآلاف المركبات التى تعامل معاملة لعب الأطفال من تكاتك وتروسيكلات وغيرها أن يرتع سائقوها على الطرق السريعة والبطيئة بهذا الشكل إلا لو كانوا على يقين بأنهم ماضون سائرون فى طريق السلام يا أبورحاب؟ وكيف يمكن لكل هذه السيارات التى تحمل ملصقات لسيوف وعبارات دينية ونساء جميلات والشيخ الشعراوى وأرقام هواتف محمولة، ناهيك عن تلك التى لا تحمل أرقاماً من الأصل أو تحمل أرقام دول أخرى أو تحمل أرقام دولتنا الحبيبة ولكن مصنوعة فى البيت أن تسير بكل ثقة وتؤدة؟! ونأتى إلى المصيبة الكبرى والكارثة العظمى ألا وهى السير العكسى. ويظن البعض أن السير العكسى حكر على التجمعات السكنية الحديثة نسبياً مثل مدينتى أو الشروق أو بدر، التى لم تصلها أية خدمات مرورية، لكنها باتت سمة من سمات الشوارع الكبرى قبل الصغرى. والعجيب والمريب أنك ترى الأخ أو الأخت وهو يقود سيارته عكس الاتجاه فى أجدعها شارع وهو يروّع القادمين فى الاتجاه الصحيح أمامه بالأنوار والكلاكسات، وفى حال أصر أحدهم على منعه من المرور (اتباعاً لمبدأ خذ حقك بيدك طالما لا يوجد بديل)، فإن مصير صاحب الحق هو الشتم أو السب أو التجاهل. لكن عدداً من الحوادث المميتة والبشعة التى أطلت علينا مؤخراً تخبرنا بأن المسألة باتت جنوناً مطلقاً. وأحدثها تصادم باص بسيارة نقل فى أسيوط، ما أسفر عن تفحم 20 مصرياً. التحقيقات الأولية تشير إلى سير الباص فى الاتجاه المعاكس، ووجود إصلاحات على أحد جانبى الطريق وخلوه من الإنارة أو العلامات الإرشادية أو التحذيرية التى تفيد بوجود إصلاحات أو حواجز، ناهيك عن وجود منحنى عند الحواجز. لدينا إذاً سير عكسى دون توقيف من الجهات المسئولة، ولدينا إصلاحات على الطريق دون إنذار، ولدينا طريق مظلم، لكن الأدهى من كل ما سبق أن كل ما سبق لا يثير الغضب. وأزيد نفسى من الشعر بيتاً، وأقول إن كل ما سبق أصبح «عادياً» وقضاءً وقدراً، وإلا لما تكرر مراراً وتكراراً.