"الحمبولي".. من "حرامي مواشي" لـ"خط صعيدي" ينتظر مشنقة "عشماوي"
تفتح صحيفة حالته الجنائية لتتصفحها، فلا تنتهي منها، تقرأ أخباره المتصدرة لصفحات الحوادث دائمًا، تسمع حكاياته فتجدها واقعية في بعضها، والبعض الآخر أساطير خيالية، صيغت بحرافية الراوي، لتقذف الخوف في قلوب مَن يسمعها، حتى أصبح مجرد النطق باسمه، يبعث مزيجًا من الأمراض النفسية كـ"الهيستريا" و"الفوبيا"، ولكن كل هذا قد يبرح مكانه في قلبك، عندما تعرف القصة بكل تفاصيلها، قصة "حرامي المواشي" الذي تحوَّل إلى "خط الصعيد".
تباغتك ضحكة وسخرية "الحمبولي" من خلف القضبان، عند سماعه نطق الحكم عليه بالإعدام، فلا تعرف، إن كان سعيدًا بالحكم، أم أنه يخفي الحزن بضحكة على وجهه، أو كأنه استعاد شريط ذكريات طفل لم يتعدَّ عمره 15 عامًا، تخصص في سرقة المواشي من أهل قريته "الزينية" في الأقصر، بعد أن كان الفقر سببًا في تركه المدرسة خلال مرحلة "الإعدادية"، ليعمل في حرف ومهن عدَّة لم يوفَّق فيها قدر ما كان موفقًا في السرقة، فيسطو على "بهيمة" جاره لخلافه معه، ثم يتحوَّل لسرقة بقية بيوت القرية فينجح مرة، ويصاب بخيبة الأمل في مرات أخرى، حتى أصبح لقبه وقتها "حرامي المواشي".
نقطة التحول في حياة "الحمبولي"، عندما بدأت معرفته بالعصابات التي احترفت البلطجة والقتل والسرقة وتجارة المخدرات، وهنا كانت روايات عدة، أشهرها أنه تعلَّم حمل السلاح وإطلاق النار على يد "اللورد"، أخطر مسجل خطر في الصعيد وقتها، فاتسعت دائرة إجرامه من حدود قريته إلى مراكز محافظته والمحافظات المحيطة، ولكن كانت أول الأحكام عليه بالمؤبد، في حادث الاشتراك في مقتل مفتش مباحث القصير، والتي نفاها أكثر من مرة في وسائل الإعلام، وأقسم أنه لم يشترك فيها، ولكن الحكم بات مؤكدًا.
9 جرائم قتل، وعشرات من حوادث السطو المسلح، أشهرها السطو على مخازن شركة المقاولون العرب، وسرقة محطات الوقود "في عز الضهر"، وسيره بسيارة نصف نقل تحمل مدفع "جرينوف" في وسط القرية، والسطو المسلح على الأغنياء واختطاف السيارات وما تحمله من بضائع على ظهرها، وكان في بعض الأحيان يعيد بيع السيارات المختطفة لأصحابها نظير مبلغ مالي.[FirstQuote]
"الحمبولي" في قصته، كثيرًا ما يدعو للتشويق، وكأن أحداثها تمر كشريط سينمائي أمام عينيك، فالبعض يقول إنه تاب عن "الشقاوة" بعدما تزوج، وأنجب ابنه "حشمت"، وأنه أنشأ مصنعًا للطوب في قريته، وابتعد عن "البلطجة"، إلى أن جاء أحد ضباط المباحث للقرية، حسبما روى في لقاءات سابقة جمعته بالإعلام، وكان يريده، أن يعمل مرشدًا فرفض، وعاد لسيرته الأولى، وفي روايات أخرى نسجت عن "الحمبولي"، أنه ذات يوم طرق باب سيدة "عجوز" ليشرب، فأعطته شربة ماء من "زير" في منزلها، وعندما علم أنها لا تمتلك ثلاجة، بعث لها في منزلها بكامل الأجهزة الكهربائية، وحكايات أخرى عن شرائه الأحذية للأطفال الحفاة في قريته، وغيرها من "حكاوي" تتداولها ألسنة البسطاء.[SecondQuote]
سقوط "الحمبولي" لم يكن بالأمر الهين، فأكثر من كمين أمني أعدَّته الشرطة لـ"خط الصعيد"، الهارب من سجن أبو زعبل في أعقاب ثورة 25 يناير، ولكن كلها باءت بالفشل، فإما تكون المواجهة بالسلاح لصالحه، أو يهرب في آخر لحظة من فخ "الداخلية"، إلا أنه سقط في معركة "الكرنك" عام 2012، فوجد نفسه محاصرًا بأحكام تصل لأكثر من 300 عام سجن، كُللت بحكم "الإعدام"، ليكون لقاءه الأخير مع "عشماوي"، الذي يشتاق لمقابلته منذ سنين طويلة.