الدكتور سعد الدين العثمانى هو الرجل الأول فى حزب العدالة والتنمية الإخوانى الذى لقى هزيمة ساحقة فى الانتخابات الأخيرة بالمغرب، مع أن العثمانى يملك فكراً مستنيراً.
للعثمانى ثلاثة كتب مهمة: (الدين والسياسة تمييز لا فصل)، و(تصرفات الرسول صلى الله عليه وسلم بالإمامة)، و(الدولة الإسلامية المفهوم والإمكان).
فى هذه الكتب تتجلى الرؤية المستنيرة له، حتى إن بعض المنتمين للإخوان تراجعوا بعد قراءة هذه الكتب، لأنها تؤسس لنبذ الأفهام المغلوطة والمتطرفة.
«العثمانى» يذهب إلى أن السياسة من العاديات وليس العبادات أو أصول الدين، بعكس المستقر لدى الإخوان كما قال حسن البنا «الحكم من الأصول لا من الفروع»، و«العثمانى» يلحّ فى مؤلفاته على أن «المبادئ والمقاصد الشرعية فى المجال السياسى تنبثق عنها نظم سياسية متنوعة، وليس هناك نظام سياسى إسلامى محدد».
ويذهب إلى أنه «ليس من الضرورى فى المجال السياسى أن نبحث عن سند شرعى لأى إجراء قرار أو فعل، بل الذى عليه أن يبحث عن السند الشرعى هو الذى يمنع من الإجراء، وليس من المنطقى فى السياسة طرح سؤال عن الدليل على جواز إجراء معين، فالسياسة مجال مفوض للاجتهاد البشرى، والكتاب والسنة لم يحددا شكلاً للنظام السياسى ولا تفاصيل عن كيفية قيام الدولة وسياستها، وليس فى الإسلام شكل محدد لبناء الدولة.
ويرفض «العثمانى» فكرة الحديث عن «وجود نظام سياسى فى الإسلام»، ويرى أنها فكرة تجافى الحقائق، وأن الأصل فى السياسة المقاصد، ومن الخطأ القول بأنه «لا سياسية إلا ما وافق الشرع»، فالسياسة هى ما تكون أقرب إلى الصلاح وأبعد عن الفساد وليس شرطاً أن توافق نصوص الشرع.
ويرى «العثمانى» أن علاقة الدين والسياسة علاقة تمييز لا فصل، ولا اندماج، ولا يجوز نسبة أفعالنا السياسية إلى الدين، وشرح ذلك تفصيلياً فى كتابه (الدين والسياسة تمييز لا فصل).
والسؤال: كيف مع هذه الرؤى المستنيرة يسقط مشروع الإخوان الذى يرأسه «العثمانى» سقوطاً كبيراً فى الانتخابات، ويكتب المغاربة شهادة وفاة للعثمانى وحزبه؟!
فى تقديرى أن الأمر له أسباب، منها الأول: أن مشروع الإسلام السياسى مهما بدا مستنيراً كما فى نسخة المغرب إلا أنه فى النهاية يظل مشروعَ حركةٍ وتنظيم وليس مشروع وطن.
الثانى: انقطاع الصلة بين رؤية «العثمانى» وبين قواعد الحزب وشباب الجماعة، فظل المشروع المستنير فى عقل كاتبه فقط، وظلت الفكر السارى بين الجماعة هو فكر الصدام والتمكين والاستحواذ والمفاصلة.
الثالث: أن الفكر قد يكون مقبولاً نظرياً، وعند التطبيق يصطدم بالواقع المأزوم.
الرابع: أن الأفكار المستنيرة ليس لها أى مكان فى محاضن الجماعة التربوية، هى فقط للوجاهة وإظهار الاستنارة وقت الحاجة.
وتعرف الجماعة أنها لو التزمت فكر «العثمانى» لانتهى بها الحال إلى عدم وجودها أصلاً، ليبقى فكر «العثمانى» للوجاهة فقط.