"حج الغلابة" بين مشاق الفريضة وسوء التنظيم
أنهى حجاج بيت الله الحرام، أمس، رمي الجمرات في ثالث وآخر أيام التشريق للحجاج غير المتعجلين، بحناجر لم تكف عن التهليل، وألسنة لم تكف عن ذكر الله، وقلوب تضرعت إلى المولى عز وجل طمعا في الغفران، حامدين الله فرحين بأداء الفريضة رغم مشاقها، التي امتدت إلى مشاق إضافية تكبدها الحجاج خلال أداء المناسك بسبب بعض السلبيات التي تخللت الإجراءات التنظيمية للحج.
التقت "الوطن" بعدد من حجاج القرعة، البالغ عددهم نحو 20 ألف حاج، فور عودتهم من مشعر منى إلى فنادقهم بمكة المكرمة، بعد أن ظهر على العديد منهم الضيق والغضب بسبب المشقة التي تكبدوها خلال أداء المناسك بمنطقة المشاعر المقدسة؛ وتركزت معظم شكواهم حول سوء الخدمات المقدمة لهم بالمشاعر المقدسة، وغياب مسؤولى البعثة عن مرافقة الحجاج خلال النفرة، مع محاولة نقلها إلى اللواء شاكر الكيال مساعد وزير الداخلية لقطاع الشؤون الإدارية الرئيس التنفيذى لبعثة الحج الرسمية رئيس بعثة حج القرعة، للرد عليها.
بداية، أكد الحجاج أن إقامتهم في مكة المكرمة كانت جيدة، لكن رحلة المعاناة بدأت مع تصعيدهم إلى جبل عرفات صباح يوم الثامن من ذي الحجة، استعدادا لأداء الركن الأعظم من الحج؛ حيثُ أكدوا أنه فور وصولهم إلى مخيماتهم بعرفات، اكتشفوا انقطاع التيار الكهربائي والمياه عن المخيمات، وذلك في ظل ارتفاع كبير في درجات الحرارة جاوز الـ 40 درجة مئوية، مشيرين إلى أن ذلك الانقطاع استمر لساعات في عدد كبير من المخيمات، بينما شهدت مخيمات أخرى انقطاع التيار الكهربائي وعودته بصورة غير مستقرة، ما تسبب في إصابة بعض الحجاج بنزلات برد بسبب عمل وتعطل أجهزة التكييف بين الحين والآخر.
ومن جانبه، قال اللواء شاكر الكيال مساعد وزير الداخلية لقطاع الشؤون الإدارية الرئيس التنفيذي لبعثة الحج الرسمية رئيس بعثة حج القرعة، إنه بالفعل تلقى إخطارات من مسؤولى البعثة المعينين على مخيمات الحجاج بعرفات بانقطاع التيار الكهربائي والمياه عن المخيمات في الساعة الثالثة من فجر يوم عرفه، مشيرا إلى أنه قام على الفور بإجراء اتصالات مع المسؤولين بوزارة الحج السعودية ومؤسسة الطوافة، والذين استجابوا للشكوى وتم استبدال أربع مولدات ذات أحمال أكبر بالمولدات الكهربائية الموجودة بمخيمات القرعة ، لتستطيع تحمل قدرات التكييفات الخاصة بالمخيمات.
وأضاف اللواء الكيال أنه بالنسبة لمشكلة انقطاع المياه، فقد تم إخطار المسؤولين السعوديين بها، وحينما انتقلوا لفحص الأمر، تبين أن مفتاح التشغيل العمومي الخاص ببعثة القرعة مغلق، وهو ما أدى إلى انقطاع المياه عن جميع المخيمات، وتم فتحه وإعادة ضخ المياه إلى المخيمات مرة أخرى.
كما أعرب الحجاج عن شكواهم من تأخر بعضهم في الوصول إلى مشعر منى يوم النفرة من عرفات إلى المزدلفة، إلى حد وصول بعض الحافلات مساء اليوم الأول من أيام التشريق، فضلا عن تخلى عدد من الحافلات عن الحجاج عند وصولهم إلى المزدلفة لعدم وجود ضباط أو أفراد من البعثة بصحبتهم بالحافلات، وهو ما تسبب في فقدان عدد كبير من الحقائب الخاصة بالحجاج، وكذلك الإبلاغ عن أكثر من 35 حاجا تائها خلال النفرة.[FirstQuote]
وقال اللواء الكيال ردا على تلك الشكوى بأن السلطات السعودية وضعت هذا العام خطة مرورية موسعة بمنطقة المشاعر المقدسة بعرفات ومنى لتسيير حركة حافلات الحجاج، لكن مع التزاحم الكبير وقت النفرة، اضطرت السلطات السعودية إلى إغلاق بعض المحاور المؤدية إلى المزدلفة وتحويل حركة المرور إلى محاور بديلة، ما تسبب في زيادة مدة الرحلة إلى المزدلفة ومنها إلى منى، إضافة إلى أن بعض الحافلات ضلت الطريق لعدم معرفة سائقيها بتلك التحويلات.
وأضاف أنه بالنسبة لغياب الضباط والأفراد عن مرافقة الحجاج بالحافلات يوم النفرة، فإن معظم الحافلات كان بها ضباط وأفراد من بعثة القرعة، ولكنه اضطر إلى سحب بعض الضباط والأفراد المرافقين للحجاج بعدد من الحافلات، والدفع بهم إلى عرفات للتأكد من عدم وجود أية حجاج بالمخيمات، بخاصة كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة.
وأكد الرئيس التنفيذي لبعثة الحج الرسمية رئيس بعثة حج القرعة أن إجمالي عدد الحجاج الذين تلقت بعثة القرعة بلاغات رسمية بفقدانهم بلغ 11 حاجا، وتم إرسال مجموعات بحث من مسؤولى البعثة، وتمكنت بالفعل من العثور عليهم جميعا بالقرب من جسر الجمرات، أما حقائب الحجاج التي فقدت في أثناء النفرة بسبب تخلي بعض الحافلات عن الحجاج في المزدلفة جراء قيام السلطات السعودية بتحريك الحافلات لعدم توقفها بالمزدلفة، فقد تم مخاطبة شرطة النقل المسؤولة عن تلك الحافلات لتجميع تلك الحقائب من الحافلات، على أن يتم عرضها على الحجاج ليتعرف كل حاج على حقيبته.
كما أعرب الحجاج عن استيائهم الشديد من سوء الخدمات المقدمة لهم بمشعر منى؛ حيثُ أشاروا إلى أن عددا منهم لم يجد له مكانا داخل الخيام، بينما أعرب البعض الآخر عن سوء بنية الخيام، وعدم تمكنهم من أداء الصلاة بها بسبب المياه الناجمة عن الصرف الصحي الخاص بدورات المياه داخل الطرقات.
وقال اللواء الكيال إن مشكلة منى تتكرر كل عام بسبب ضيق المساحات المخصصة للحجاج بها؛ حيثُ إن المساحة المخصصة لكل حاج تبلغ 90 سم فقط، وأن هناك بعض الحجاج يصطحبون أقاربهم أو أصدقائهم المقيمين بالمملكة للإقامة معهم بالمخيمات، وهو ما يتسبب في الحصول على أماكن حجاج آخرين لهم الحق في الإقامة بالمخيمات، فضلا عن تهالك البنية التحتية لمشعر منى بسبب الضغط المتزايد عليها كل عام جراء زيادة أعداد الحجاج سنويا.[SecondQuote]
وأضاف الرئيس التنفيذي لبعثة الحج الرسمية رئيس بعثة حج القرعة إلى أنه بالفعل رصد بعض المخالفات للمطوفين المسؤولين عن خيام القرعة بمشعر منى، وقام بتقديم بلاغات رسمية للسلطات السعودية بها للتأكيد على عدم التعاقد معهم الموسم المقبل، لافتا إلى أنه قام على سبيل المثال بتحرير محضر ضد مطوف المخيم رقم 18 بمنى لوزارة الحج السعودية، والمؤسسة الأهلية لمطوفي الدول العربية، وكذلك الشرطة السعودية، وتم بالفعل ضبطه وحبسه بناء على ذلك المحضر.
وأعرب حجاج القرعة عن أملهم في حل تلك المشكلات وتلافي السلبيات في موسم الحج المقبل، بخاصة وأن حج القرعة يعد كما يطلق عليه "حج الغلابة"، فهو الوسيلة الوحيدة للمواطن البسيط في أداء الركن الخامس من أركان الإسلام وإسقاط الفريضة، وذلك في ظل ارتفاع أسعار الحج السياحي وعدم قدرة المواطن البسيط عليها.