جاءنى هذا الشاب بعدما عرف أننى أعمل فى مجال الإعلام، طالباً منى أن أجد حلاً لمشكلة ألمَّت به؛ إذ إنه كان قد شاهد إعلاناً على إحدى القنوات الفضائية، التى نسميها «فضائيات بير السلم»، عن توافر وظائف فى إحدى المدن الجديدة فى مجال الأمن والحراسة، وهو الأمر الذى دفعه للذهاب إلى مقر الشركة، وأن يدفع ثمن استمارة طلب توظيف، قبل أن يُقال له إن القائمين على الاختيار لم يجدوه مناسباً للوظيفة.
لقد تم التغرير بهذا الشاب عبر ذلك الإعلان الذى يبدو أنه إعلان وهمى؛ إذ يطلب شباناً للعمل من دون اشتراط الخبرة أو المؤهل، ويحدد الراتب المزمع دفعه لهم بما يناهز خمسة آلاف جنيه، إضافة إلى بدل المواصلات وتوفير السكن، لكنه يُلزم الراغبين فى الحصول على الوظيفة بدفع مبلغ 200 جنيه، وفق رواية هذا الشاب، كثمن لاستمارة إجراء المقابلة، وهو الأمر الذى يوفر لأصحاب الإعلان آلاف الجنيهات من الشبان الساعين إلى إيجاد فرصة عمل.
تلك واحدة من المشكلات التى تنجم عن وجود عدد من القنوات الفضائية التى تبث من خارج البلاد عبر أقمار اصطناعية ثانوية أو أقمار يتقاطع بثها مع قمرنا الاصطناعى «نايل سات»، فيما لا تخضع لأى نوع من المراجعة أو إخضاع الأداء للتقييم.
والواقع أننا نواجه مشكلة كبيرة تتصل بعدم قدرة الدولة على السيطرة على مجالها الاتصالى بسبب التغيرات التكنولوجية المتسارعة الأخيرة؛ الأمر الذى يؤدى إلى وصول أنواع من المحتوى الإعلامى الضار للجمهور المحلى، ما يسبب الكثير من التداعيات السلبية.
تأتى بعض أنماط المحتوى غير المرغوب فيه عبر قنوات فضائية يتلقاها المواطنون المصريون من خلال أجهزة الاستقبال الخاصة بهم؛ وهى قنوات تحمل مضامين تخالف القوانين النافذة، فضلاً عن إضرارها بالمصالح الوطنية أو مصالح بعض القطاعات.
من بين أنواع المحتوى الضار الذى يتلقاه المصريون، عبر أجهزة استقبال البث الفضائى، قنوات دينية ذات طبيعة طائفية؛ وهى قنوات سنية وشيعية ومسيحية، لا تلتزم بالقواعد المهنية ومواثيق الشرف والعهود الحقوقية الدولية والقوانين المحلية النافذة.
وتقوم تلك القنوات بارتكاب معظم الأخطاء التى يجب ألا يقع فيها مقدمو المحتوى الدينى عبر وسائل الإعلام؛ ومنها الطعن فى أتباع الأديان والمذاهب الأخرى، أو النيل من عقائد الآخرين، أو التحريض على العنف والكراهية والتمييز، أو إشاعة الخرافة وعدم الاعتداد بالحقائق العلمية.
ثمة عدد من القنوات الأخرى التى تقدم موضوعات تتعلق بالدجل والشعوذة، أو تقدم محتوى يمكن تصنيفه بأنه «إباحى» أو غير متسق مع المعايير الأخلاقية السائدة فى المجتمع.
بعض القنوات الواردة أيضاً لا تحترم حقوق الملكية الفكرية، وتبث مواد إعلامية مسروقة، من دون أن تدفع مقابل استخدامها لمنتجيها، بل إن بعض هذه القنوات تسرق أفلاماً أثناء عرضها فى دور السينما، وتقوم بإذاعتها، ما يكبد صانعيها خسائر كبيرة.
وإضافة إلى ذلك، تستغل تلك القنوات قدرتها على عرض المحتوى المسروق من دون أن تدفع مقابلاً لاستخدامه، فى تخفيض أسعار عرض الإعلانات، ما يؤدى إلى إقبال كبير من قطاع من المعلنين عليها.
فتلك القنوات تعرض إعلانات الوظائف الوهمية، أو الإعلانات التى تتعلق بالدجل والشعوذة وأعمال السحر، كما تعرض دعايات لمنشطات جنسية، أو أعشاب للعلاج، أو أجهزة وآلات، وغيرها من السلع والخدمات غير المُجازة من قبَل السلطات المعنية، والتى يمكن أن تكون مغشوشة أو غير صالحة للاستخدام الآدمى.
من بين ما تعرضه تلك القنوات أيضاً إعلانات لوظائف مفترضة فى مشروعات وهمية، ما يُمثل عمليات نصب مكتملة الأركان، معتمدة على كونها تبث من خارج البلاد، وليس لها مكاتب تمثيل فى الداخل.
نوع ثالث من تلك القنوات يختص بالمحتوى السياسى غير المطابق للمعايير المهنية؛ والمقصود به هذا النوع من المحتوى الذى يُعرض على قنوات تبث من دول معادية، ولا يلتزم بقواعد العمل الإعلامى المرعية، ولكنه يتجاوز، فى إطار الكيد السياسى، إلى إشاعة الأخبار الكاذبة والمضللة، والسب والقذف، والطعن فى الأعراض، والتحريض على العنف، وإثارة الكراهية.
إن الأضرار التى تنشأ عن بث هذا النوع من المحتوى كبيرة وخطيرة، بعضها يتصل بصحة المواطنين ومصالحهم المادية المباشرة، وبعضها يتعلق بحقوق الملكية الفكرية، وقواعد المنافسة فى المجال الإعلامى، وبعضها يختص بالأمن القومى والوحدة الوطنية والسلم الأهلى.
لذلك فإن السلطات المصرية المعنية بتلك الملفات مطالبة بالعمل على مخاطبة سلطات الأقمار الاصطناعية، التى يتداخل نطاق بثها مع «نايل سات»، والتنسيق معها، وتطوير اتفاقيات و«بروتوكولات» عمل، تقضى بالتزامات متبادلة فيما يخص أنماط المحتوى المقدمة عبرها جميعاً، وهى التزامات تنبع من القواعد الدولية المرعية والأكواد الإعلامية المعتبرة.
وفى هذا الإطار يجب أن نعمل على مخاطبة الدول التى تُبث منها القنوات غير المسئولة، وتقديم المستندات والأشرطة الدالة على تجاوزاتها، والضغط من أجل اتخاذ الإجراءات المناسبة حيالها.
على الدولة أن تكمل خطة تنظيم المجال الإعلامى المصرى وفق الاستحقاقات الدستورية، وأن توسع إطار الحريات، وأن تشجع التعدد والتنوع، وفى الوقت نفسه يجب أن تحد من المحتوى الضار الذى يرد عبر التداخلات بين مدارات الأقمار الاصطناعية، من خلال جهود مُنسَّقة وفعالة.
ومن جانب آخر، يجب أن تقوم وسائل الإعلام الوطنية بجهود لتوعية المواطنين من الوقوع ضحايا للإعلانات الوهمية والمحتوى المسىء والضار.