فى مثل تلك الأجواء الباردة اندلعت فى مصر شرارة «25 يناير» قبل أحد عشر عاماً، ضمن ما تم توصيفه من قبَل الإعلام الغربى بثورات الربيع العربى، تلك «الثورات» التى أكلت الأخضر واليابس فى الدول التى شهدتها، والتى لم تقم لها قائمة حتى الآن باستثناء مصر، وربما تونس التى ما زالت تحاول استعادة عافيتها.
فى «25 يناير» استغلت جماعة الإخوان الإرهابية حماس الشباب الناقم للسطو فيما بعد على حكم البلاد تنفيذاً لخطط تآمر سابقة التجهيز، وأحاطنا الخطر من كل جانب، فانهار الاقتصاد، وهربت الاستثمارات، وتدهورت الخدمات، وانفلتت الأخلاق، وافتقدنا الأمن والأمان، وانتهى بنا الحال إلى واقع شديد التعقيد تحيط به نقاط الضعف من كل جوانبه، وافتقد المصريون الثقة تماماً فى السياسيين، ولكنهم لم يفقدوا الأمل فى ظهور الشخص القادر على تصحيح المسار المعوج الذى سرنا فيه جميعاً، شخص ممن يمكن وصفهم بـ«وسطاء التاريخ».. ووسطاء التاريخ هم القادرون على صياغة الأحداث من خلال قدراتهم السياسية، وجاذبيتهم الشخصية، وقوة حججهم الأخلاقية.
وهذه الشخصيات لديها من قوة الإقناع وقوة الشخصية ما يمكّنها من تجاوز قدرات الزعماء العاديين لتحقيق نصر ما فى ظروف بالغة التعقيد، وسط تشابكات محلية وعالمية لا يتخيل أحد إمكانية فك طلاسمها، ويمكنها أيضاً أن تجلب بصيصاً من الأمل كادت أن تفقده أمة بأكملها.
فى أعقاب «الربيع العربى»، وكانت المنطقة كلها -وليست مصر وحدها- فى حاجة إلى واحد من وسطاء التاريخ يمكنه استثمار المتغيرات السلبية وتحويلها إلى إيجابيات، ويملك رؤية استراتيجية لا تُغفل «تحكمات» عصر العولمة، وفى الوقت نفسه لا يسمح لأى قوى عظمى أن تصوغ مصائرنا.
ويُحسب للشعب المصرى قدرته الفائقة فى لحظة الخطر الداهم على تحديد مطلبه بدقة.. إسقاط حكم المرشد.. ولم يقف عند حدود خلع الرئيس الإخوانى، المطلب هو إنقاذ البلاد من حكم الجماعة الإرهابية، وتحدى المصريون ما صدّره لنا البعض بأنه المسار الطبيعى للتاريخ الذى سيتيح للجماعة الإرهابية حكم مصر لقرون مقبلة، وأن الرهان على إسقاطها يبدو مستحيلاً وفقاً لمحددات واضحة وضوح الشمس، أهمها على الإطلاق الدعم الأمريكى اللامحدود سياسياً ولوجيستياً ورعاية بعض القوى الإقليمية فى المنطقة.
وعندما استقر الوعى الجمعى عند رفض استمرار حكم الجماعة الإرهابية، أيقن الشعب المصرى أن مثل هذا الرهان المستحيل لن يُـكسب إلا على يد رجل قادر على حسم المواجهة، ومؤهلاً لتحمُّل المخاطر، وكان الهتاف المدوى فى 30 يونيو 2013 «انزل يا سيسى».. ثار الشعب مطالباً بالتغيير هذه المرة بعد أن وعى الدرس، وقرر أن يختار لثورته قائداً يمكنه حمايتها، ومن ثم تحقيق الهدف.
ولم يكتف المصريون بنجاح ثورتهم، وطالبوا من انحاز إليهم باستكمال مهمة الإنقاذ، ونصبوه رئيساً للبلاد بعد أن رأوه قائداً استثنائياً مناسباً لتلك المرحلة الاستثنائية.
لا يمكن القطع بأن كل الفترات التاريخية الاستثنائية تنتج زعماء استثنائيين، ولكن شاءت الأقدار أن يخرج من بيننا واحد من «وسطاء التاريخ».. إنه السيسى.