ليست المشكلة فى تعليق مستفز أو غريب أو منفر لأحد العاملين فى المجال الدينى على أى واقعة (سواء حادثة مقتل فتاة جامعة المنصورة أو غيرها). الأزمة أكبر من ذلك بكثير، وإطارها العام مرعب لأنه يمس العقل النابض للأمة، الذى تحول إلى عقل جامد بلا نبض، يعيش على أجهزة صناعية تسمى الفتوى.
عادة ما يتم تعريف «الفتوى» على أنها رأى دينى يقوم بإصداره فقهاء فى الشريعة الإسلامية بحسب أدلة شرعية من القرآن الكريم والسنة النبوية. وهى تُعبر عن حاجة إنسان قرر فى لحظة ما أن يفكر له آخرون، وأعطاهم ثقته الكاملة. يحدث هذا أحياناً دون مبررات موضوعية واضحة.
يترتب على الفتوى أوامر ونواهٍ وتحليل وتحريم، وهى لا تتعلق بالأمور الدينية فحسب بل تمتد لأبعاد أخرى.. والفتوى، بكل تأكيد، هى أحد أهم مظاهر الدين الإسلامى، التى تعدل فى حيوات الناس وتغير مصائرهم. ولها أربعة أركان هى: المفتى (الفقيه الشرعى)، والمستفتى (طالب الإجابة)، والمستفتى عنه (السؤال المطروح)، والمفتى به (الجواب المطلوب). وللمفتى صفات كثيرة لا بد أن يتحلى بها مثل الإلمام بعلوم اللغة والتفسير والحديث وغيرها، ومعرفة ما صدر من فتاوى سابقة فى المسألة التى يُسأل عنها.
من المفترض أن الفتوى ليست حكراً على جهة بعينها أو كيان محدد، واللافت للنظر أن صدور فتوى من مكان ما لا يتعارض مع خروج أخرى من جهة مختلفة، وبالتالى فمن الناحية النظرية، وربما العملية أيضاً، من الممكن أن نجد فتوى وعكسها فى كل موضوع.. فإن أردت أن يفكر لك أحدهم، وأن تريح ضميرك بالحصول على رأى محدد فى اتجاه ما، فسوف تجد غايتك بكل تأكيد، بدون تعب كبير.. ستجد ما تريد مما قاله الشيوخ وستتبعه، وستجد عكسه مما قاله شيوخ آخرون وسترفضه، ستختار ما تريد وتقول وقتها إن الاختلاف رحمة.
المشكلة الأكبر أن عدداً كبيراً من الفتاوى التى صدرت عن كثير من المفتين، قد أساءت كثيراً للفتوى والإفتاء بل وللدين نفسه، فبجانب فتاوى رجعية مثل: إرضاع الكبير، وإباحة تدمير الآثار، وتحريم تهنئة غير المسلمين بأعيادهم، نجد أن للمرأة نصيب الأسد وكل الأسود من أغرب الفتاوى التى سمعنا عنها، فقيل إن أحد الدعاة قد أفتى بجواز تلصص الشاب على خطيبته خلال استحمامها ليشاهد منها ما يمكن رؤيته فيقرر الزواج منها من عدمه!
المرأة إن توفيت لها نصيب أيضاً من الفتاوى، ليس فيما يخص الميراث مثلاً وحسب، بل فيما يخص المعاشرة أيضاً! فقد أفتى «أحدهم» بأن معاشرة الزوج لزوجته المتوفاة حلال، ولا يُعد ذلك زنا، ولا يُقام عليه الحد أو أى عقوبة، لأنها شرعاً أمر غير محرم، وهى لا تزال زوجته رغم موتها!! وهناك فتوى طريفة أخرى تبيح أكل لحوم الجن! ولأننا نعلم أن الجن، إن وُجد أصلاً، فهو بلا لحم! فقد أوضح قائل الفتوى بأن المقصود هو أكل الإبل والماشية إن مسها الجن! الحديث ذو شجون وله بقية.