يقول المولى -سبحانه وتعالى- فى تنزيله الحكيم فى الآية 39 من سورة يس: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ}، وفى هذا الشأن اختلف القراء فى قراءة قوله: (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ)، وقال ابن عباس، يقول: أصل العذق العتيق، قال: يعنى بالعرجون: العذق اليابس، وقال كعذق النخلة إذا قدُم فانحنى، وقال: عذق النخلة إذا قدم انحنى، وقال: النخلة القديمة، قال مجاهد: العذق اليابس، وقال: العذق، قال: قدره الله منازل، فجعل ينقص حتى كان مثل عذق النخلة، شبهه بعذق النخلة.
أما القرطبى فقد ذهب فى تفسيره إلى قوله تعالى (والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم)، والقمر يكون تقديره: وآية لهم القمر، ويجوز أن يكون «والقمر» مرفوعاً بالابتداء، وقرأ الكوفيون «والقمرَ» بالنصب على إضمار فعل، وهو اختيار أبى عبيد، قال: لأن قبله فعلاً وبعده فعلاً، قبله «نسلخ» وبعده «قدرناه»، النحاس: وأهل العربية جميعاً فيما علمت على خلاف ما قال: منهم الفراء قال: الرفع أعجب إلى، وإنما كان الرفع عندهم أولى، لأنه معطوف على ما قبله ومعناه: وآية لهم القمر، وقوله: إن قبله «نسلخ» فقبله ما هو أقرب منه وهو «تجرى» وقبله «والشمس» بالرفع، والذى ذكره بعده وهو «قدرناه» قد عمل فى الهاء، قال أبوحاتم: الرفع أولى، لأنك شغلت الفعل عنه بالضمير فرفعته بالابتداء.
أما تفسير البغوى: (والقمر قدرناه منازل)، أى: قدرنا له منازل، قرأ ابن كثير ونافع، وأهل البصرة «القمر» برفع الراء لقوله: «وآية لهم الليل نسلخ منه النهار»، وقرأ الآخرون بالنصب لقوله «قدرناه»، أى: قدرنا القمر (منازل) وقد ذكرنا أسامى المنازل فى سورة يونس، فإذا صار القمر إلى آخر المنازل دق فذلك قوله: (حتى عاد كالعرجون القديم)، والعرجون [عود العذق] الذى عليه الشماريخ، فإذا قدم وعتق يبس وتقوس واصفر فشبه القمر فى دقته وصفرته فى آخر المنازل به.
تفسير السعدى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ} ينزل بها، كل ليلة ينزل منها واحدة {حَتَّى} يصغر جداً، فيعود {كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} أى: عرجون النخلة، الذى من قدمه نش وصغر حجمه وانحنى، ثم بعد ذلك، ما زال يزيد شيئاً فشيئاً، حتى يتم [نوره] ويتسق ضياؤه.