أعجب ممن يندهشون من سلوك الجماعة التى انفردت بحكم مصر بدعم من غلاة المتطرفين الزاعمين «كل على حدة» باحتكار حقيقة الدين وتفاصيل إعماله على واقع لا يكف عن الحركة والتغيير، والانتقائيين الذين يأخذون من دين الله ما يتوافق مع فاشيتهم ويتجاهلون من أقوال الخالق ومن سنة نبيه «أنتم أعلم بشئون دنياكم»، مكرسين لسيطرة مجموعة من ناقصى العقل والدين الراغبين فى كل مباهج الدنيا باسم الخالق جل شأنه، وما يحدث أمامنا الآن ما هو إلا تباشير الطوفان وعلامات الحريق ودلائل الزلزال المخرب الذى لو لم نقرأ تحذيراته هو القاضى بدمار البلاد وخراب الديار وعودة بلد الحضارة العريقة إلى عصور الانحطاط الذين يباهون بها باعتبارها خير عصور الخلافة، إن علامات مثل الصراع الشرس على زعامة حزب اللحى الطويلة وتبادل الاتهامات بالعمالة للأمن والتكفير وعمليات تجميل الأنوف والتحرش الجنسى على قارعة الطريق وهذه الانتهازية التى لم تعد تشعر بأى حياء لتبديل المواقف كل يوم والجرأة على الكذب اليومى وإنكار الحقائق والمراوغة والنفاق والعداء السافر لأبسط قواعد الديمقراطية التى هى الاعتراف بحق الآخر فى التعبير عن رفضه لترهات الآخرين ناهيك عن التصدى لهذه الأفكار ومقاومتها بكل الوسائل والأساليب، وقد قلنا حتى بحت أصواتنا وجفت أقلامنا إن السياسة عندما تختلط بالدين تفسد نقاءه الذى هو علاقة روحية تعبدية بين الإنسان وخالقه، وها هى الدلائل تتوالى على صدق ما قاله أصحاب تجارب البناء والتنمية الذين دفعوا من الدماء والأرواح ثمناً باهظاً لهذا الخلط بين المقدس والدنيوى ولم تشرق أبدأ شمس الإصلاح إلا حين تم الفصل بينهما؛ لأن الذى يتصور أنه يحكم باسم إله أو دين أو عقيدة يفعل ذلك بكل وجدانه ويجنب العقل تماماً وبالتالى تذهب المصالح المتغيرة إلى الجحيم.. لا يوجد متعصب دينى يؤمن بالديمقراطية هذه حقيقة لم تعد تثير أى دهشة، لكن المذهل حقاً فى بيان الإخوة العملى على فشل خلط الدين بالسياسة «لم نقل بالحياة حتى لا تكفرونا»، هو صدمتنا الكبرى فى مستوى كفاءتهم كنا رغم اختلافنا الكامل معهم نظن لهم بعض الكفاءة والقدرة على التنظيم صدعوا بها رؤوسنا، فإذا بنا نرى خيبة ثقيلة مهينة، أين متطوعوهم المستعدون للموت دفاعاً عن الوطن؟!
لماذا لا يرفعون قمامته وينظمون مروره ويحلون أتفه مشاكل باعته الجائلين الذين احتلوا كل طرقات المدينة؟! أين أموالهم التى يقتطعونها من رواتب المخدوعين بهم ومن أموال النفط وأمراء الجهل الكارهين لمصر؟ لماذا لا تتدفق لدفع ديون الوطن بدلاً من القروض التى تحولت فوائدها الربوية إلى مصاريف إدارية «حلال فى حلال»؟! إن انعدام الكفاءة والإصرار على إقصاء الأكفاء الذين لا يربون لحاهم «اللحية الداخلية والخارجية» هى وصفة عاجلة لدمار وطن، ناهيك عن إجهاض ثورة عظيمة طالما حاربها المتحدثون الآن باسمها، ومع انعدام الكفاءة وفقر الخيال تكتمل الكارثة، فلا حلول مبتكرة ولا إبداع من أى نوع، فقد اكتفى من يحكمون مصر الآن بتفكير «خلْق مثلنا» منذ أكثر من ألف عام.. بشر فسروا كل شىء من واقع أحوالهم لا يلزمنا بأى شىء.. أما الله فقد أورثنا ملكوته وسوف يحاسبنا على أفعالنا بناء على حريتنا المطلقة فى إصلاح دنيانا وإعلاء ديننا كل على حدة.. أكرر.. كل على حدة.. فهو القائل: «ما أنت عليهم بمسيطر» وهو القائل جل شأنه: «أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين»، «ولا تزر وازرة وزر أخرى».. ابعدوا عنا بضيق أفقكم ومحاولتكم البغيضة لإلصاق دين الله السمح بإجرامكم، فعندها يستقيم شأن الوطن وعندها فقط نحلم بالحرية والحياة.