الطريق هو ما نقابله مباشرة فور خروجنا من منازلنا، لنتحرك فيه وعليه داخل المدينة أو على الأنواع السريعة منه لو أننا سنسافر بين المدن، وفيه أيضاً الأنواع الدائرية والالتفافية لو كان على جدول تحركاتنا توجهنا إلى بعض الضواحى أو المدن الجديدة، بالنسب المئوية التقريبية نقضى على تلك الأنواع من الطرق ما يقارب ثلث أعمارنا إن لم يكن يزيد.
فضلاً عن المساحة الزمنية من العمر، الطرق تحملنا أيضاً تحت عناوين متباينة، لكنها شديدة الأهمية والصلة بمكونات هذا العمر الذى نتحدث عنه، فهى مع الذهاب للعمل والعودة منه، وقد نقضى عليها جزءاً من العمل ذاته، وهى السبيل لقضاء حوائجنا الشخصية والعائلية، غير استخدامها أيضاً فى أوقات الفراغ والراحة فيما بعد ساعات العمل، إذن وفق تلك المساحة العريضة والعناوين قد يكون السؤال مشروعاً حول أحوال هذه الطرقات، كيف أعددناها وبأى صورة وصلنا بها فى اللحظة الراهنة؟ و«نا» المكررة فى السؤال السابق تضعها القواعد النحوية للغة فى إعراب بليغ للغاية «هى الدالة على الفاعلين»، و«الفاعلين» على الطرقات بالفعل هم قصد السبيل.
«الفاعلين» على الطرق على كثرتهم وتنوعهم اتفقوا جميعاً على عنوان واحد جامع وشامل وهو «الفساد»، يبدأ الأمر بالتخطيط الذى يبدو سريعاً أنه دون المستوى، فأهم ملمح فيه أنه قديم بعيد كل البعد عن أى مظهر للحداثة، يكفيه فساداً مثلاً أنه تخطيط ينظر تحت قدميه لا يضع فى اعتباره أى استعداد مستقبلى، ليصبح الطريق المنشأ حديثاً بعد سنوات محدودة ضحية للتقادم، ويترك الطريق منذ إنشائه لقيطاً لا صاحب حقيقياً له، فقد تفننت التشريعات والقوانين فى الخروج بصيغة جهنمية يتشكل فسادها بأنها تركته «كى يتفرق دمه بين القبائل»، وتلك النقطة تحديداً هى ما تفتح الباب أمام صور لا نهائية من الترهل الإدارى الذى يشكل الصورة الصادمة لحال الطرقات.
الترهل هذا يجعل مسألة ترخيص سير المركبات بجميع أنواعها يتم بصورة آليه، لا علاقة لها بأن عدد المركبات يفوق قدرة استيعاب الطرق بنحو عشرة أضعاف دون مبالغة، والآلية مستمرة دون توقف لتختنق الشوارع ووحدات المرور بعدد خيالى غير مرشح للترشيد، ليتحول التعامل مع الوحدات كمشوار للفساد من أوله لآخره، ويتقلص تنفيذ القانون إلى أدنى مستوياته على الطريق، فلا يوجد ما يسمح من الوقت ولا المساحة باستبعاد المركبات المتهالكة ذات الحالة والمظهر المزرى من العمل، ولا يوجد ما هو معمول به فى كل مدن العالم من إيقاف الترخيص للمركبة أو للسائق فى نوعية مخالفات جسيمة، فالقانون الفاسد يسمح بدفع غرامة «معقولة» لتستمر حالة السير دون توقف ليجد رجل المرور نفسه وسط مشهد عبثى، ينزع عنه وعنا القدرة على تصحيح الأوضاع بجدية.
نفس هذا الترهل هو من نزع أيضاً من كل الطرقات أرصفة السير لتستغل فى كل شىء إلا ما خصصت له، لتصبح مسارات وأماكن عبور المشاة ومحطات الأوتوبيس وأماكن الانتظار خيالات من زمن قديم، وليدخل جميع مستخدمى الطريق فى دائرة سلوكيات فاسدة لا نهاية لها سوى مزيد من الاختناق.
أنواع الفاعلين الذين يعيشون جيداً ويتكاثرون فى هذا المناخ، هم موظف الحى، وأمين الشرطة، ومسئول المرافق، وتباع الميكروباص، ومشرف المواقف العامة، ومنادى السيارات، وأصحاب المحال التجارية، وأكشاك البيع المختلفة الأنشطة، وموزع المواد المخدرة، وكل الباعة الجائلين والمتمركزين والمفترشين، فضلاً عن قائمة طويلة من المفتشين؛ التموين والنظافة والصحة والتنظيم، كل هؤلاء موجودون بالطريق على هامش الترهل وفى متن الفساد!!
لا أظننى أجرؤ على الحديث عن اللمحات الجمالية المفترضة، ولا عن عوامل الأمان فى شوارع وطرقات هى الأعلى عالمياً فى عدد الضحايا، لكنى ما زلت أملك القدرة على التساؤل، عمن وضع هذا الملف على أجندة أعماله المفترضة؟