أزمة طاحنة فى "بيوت الغلابة": اختفاء زيت التموين.. والوزارة "صامتة"
قبل نهاية كل شهر بأيام معدودة، تحرص ربة المنزل سهام سعدون، على الذهاب إلى بقال التموين الموجود داخل إحدى الحوارى الجانبية المتفرعة من شارع جمال عبدالناصر بمنطقة المنيب بالجيزة، لتأخذ السلع التموينية المخصصة لأسرتها المكونة من 5 أفراد. تحديد موعد تسلمها السلع يرجع إلى سببين، الأول: موعد حصول زوجها الموظف الحكومى على راتبه الشهرى، والثانى: تأخر وصول السلع التموينية لدى البقال، خصوصاً «الزيت»، الذى يعتبر من السلع الأساسية بالنسبة لها: «باتعمد أستنى لآخر الشهر علشان الزيت، لأنه غالباً ما بيبقاش موجود»، وفى هذه الحالة تضطر السيدة الأربعينية إلى شراء أى سلعة أخرى حتى لا تضيع عليها نسبة الدعم المخصص لها.
مشهد آخر فى منطقة بهتيم التابعة لشبرا الخيمة بمحافظة القليوبية: «الزيت مش موجود»، ثلاث كلمات يخبر بها بقال التموين زبائنه المترددين عليه بين الحين والآخر عندما يفتح أبواب محل بقالته التموينية بعد الرابعة عصراً، ثم يتبعها بجملة أخرى: «اللى عايزة تستنى الزيت تبقى تيجى كمان يومين أو ثلاثة، وإلا تاخد حاجة بدل الزيت»، ترد إحدى السيدات على كلمات البائع بسؤال: «هو الزيت هييجى إمتى؟»، تأتيها إجابة البائع لتزيد من حيرة زبائنه: «ما لوش ميعاد ممكن ييجى وممكن ما يجيش أصلاً»، لتتفرق ردود الزبائن بين من يفضل الانتظار إلى آخر الشهر لعله يحصل على نصيب أسرته من زيت التموين، وبين من يفقد الأمل ويلجأ إلى استبدال الزيت بأى سلعة أخرى خوفاً من ضياع الدعم المادى المخصص له.[SecondImage]
مشهدان لاثنين من أطراف المنظومة التموينية «البائع والمستفيد» فى منطقتين مختلفتين، كلتاها تنتمى لمحافظة مختلفة ذات كثافة سكانية وطبيعة شعبية، جمعتهما أزمة زيت التموين المستمرة للشهر الثالث على التوالى، وفقاً لتصريحات ماجد نادى، المتحدث باسم نقابة البقالين التموينيين، الذى يوضح أن الأزمة فى بدايتها كانت أن نسبة العجز فى زيت التموين تتجاوز 60%، لكنها الآن وبعد ضح الوزارة كميات من الزيت فى العديد من المحافظات خلال الأسبوع الأخير، أسهمت فى تقليل نسبة العجز إلى 30%، وهذا العجز، وفقاً للمتحدث باسم نقابة البقالين، مستمر حتى الآن فى محافظات الصعيد والبحيرة والغربية وقرى محافظة الدقهلية والشرقية، باستثناء القاهرة الكبرى والإسكندرية وبعض المحافظات الأخرى التى شهدت انفراج الأزمة خلال الأربعة أيام الماضية بعد الكميات التى قامت الوزارة بضخها فى السوق التموينية.
وتعود بداية الأزمة إلى منتصف يناير الماضى عندما أعلنت الوزارة أن سبب الأزمة هو سوء الأحوال الجوية التى حالت دون دخول مراكب الزيت الخام المستورد من الخارج، وبعد عودة الأحوال الجوية إلى طبيعتها استمرت الأزمة التى لم تنته حتى الآن.
قال حسن ناصر، بقال تموينى، إن أزمة زيت التموين جاءت نتيجة تأخر وصول الحصة التموينية من الزيت لتجار من الوزارة منذ يناير الماضى، وهو ما قوبل من المواطنين بحالة من السخط، وصلت إلى حد توجيه بعضهم الاتهامات لنا ببيع الزيت بأسعار مرتفعة بعيداً عن بطاقة التموين، موضحاً أنه من الصعب حدوث ذلك الآن فى ظل المنظومة الجديدة التى يختلف فيها التعامل مع المواطن عن الأساليب التى كانت متبعة قبل ذلك، والتى كانت تمكن بعض الباعة من تسريب بعض السلع فى السوق السوداء. ويقول الدكتور محمود دياب، المتحدث الرسمى باسم وزارة التموين، إن عدد الأسر التى تمتلك بطاقات التموين يصل إلى حوالى 18 مليون أسرة، وأزمة زيت التموين ليست بسبب العجز فى كميات الزيت المخصصة للسلع التموينية على مستوى الجمهورية بقدر ما هى زيادة فى الاستهلاك من المواطنين، كما تتيح المنظومة التموينية الجديدة التى تسمح للمواطن أن يحصل على ما يريد من السلع فى حدود المبلغ المخصص لدعم لكل مواطن. ويوضح المتحدث الرسمى باسم وزارة التموين أن الوزارة تضح يومياً 2000 طن زيت يومياً فى جميع المنافذ على مستوى الجمهورية، من خلال شركات الجملة التى تتعاقد معها، موضحاً أن الوزارة تستورد ما يقرب من 90% من احتياجات السوق المحلية. موضحاً أن المنظومة التموينية الجديدة قامت بحل كثير من الأزمات التى كان المواطن يعانى منها فى السنوات الماضية وإذا ظهرت بعض العيوب سوف تسعى الوزارة إلى حلها، لكن هذه العيوب التى تظهر لن تكون بنفس عيوب المنظومة القديمة.[ThirdImage]
جمال عبدالوهاب، بقال تموينى، يرد على المتحدث باسم الوزارة، مؤكداً أن منظومة الدعم الجديدة أسهمت فى القضاء على تلاعب البقالين على عكس ما كان يحدث فى الماضى، خصوصاً أن نسبة الدعم أصبحت دعماً مالياً، يقول البائع الثلاثينى الذى ورث المهنة عن والده المتوفى إن تأخر توفير الزيت من قبَل الوزارة والشركات المتعاقدة معها هو السبب فى الأزمة، وليس زيادة الاستهلاك، موضحاً أن «الزيت» يعتبر سلعة استراتيجية بالنسبة لكل أسرة مثل «السكر»، ومع ذلك لا توجد أزمة إلا فى الزيت، وهى الأزمة التى يرجعها البقال إلى تأخر وصول الزيت الخام المستورد من الخارج بسبب الأحوال الجوية السيئة، واستمرت بسبب تدافع المواطنين على شراء كميات كبيرة منه خوفا من استمرار الأزمة فى الأيام المقبلة.