مصر تمر بأزمة اقتصادية قاسية .. نعم ، و يواجه المصريون أعنف موجات التضخم .. هذه حقيقة ، و غلاء الأسعار اربك ميزانية الأسر الفقيرة و المتوسطة .. واقع نعيشه ، الدولة بأكملها تواجه تحديات غير مسبوقة عل امتداد حدودها .. هذا مؤكد ، و وسط كل تلك الأجواء ، يخرج علينا أهالي منطقة المطرية بأروع مشهد يلخص قدرة المصريين - على مدى التاريخ - في تجاوز كل المحن والصعوبات ، و مواجهة التحديات وإن وصلت لأبعد مدى .
المشهد فرض نفسه على مواقع التواصل الاجتماعي ، و تناولته معظم وسائل الإعلام الإقليمية و العالمية ، وهو عبارة عن مائدة إفطار جماعي افترشت عدة شوارع في " عزبة حمادة " ، كم طول المائدة ؟ ، و كم عدد المشاركين ؟ ، وما هي كميات الطعام المستخدمة ؟ كل هذه الأسئلة لم تجد إجابة واضحة ، و تضاربت أرقام وسائل الإعلام بين ألاف الأمتار ، و آلاف المدعوين ، و اطنان الطعام ، لكنها اتفقت في تميز الحدث ، و روعة الصور المنقولة .. و " الكاميرا مابتكدبش " .
المائدة ممتدة و مخترقة الشوارع ، و الطعام متراص على المفارش المزركشة ، و أشرطة الإضاءة تعلوها ، و الموسيقى التصويرية لم تكن إلا " الزغرودة " المصرية التي لا تخطئها أذن ، تنطلق من شرفات المنازل المتواضعة ، و قد امتلأت بالسيدات و الفتيات ، و على وجوههن فرحة لا توصف ، و القوا بالبالونات التي غطت سماء " العزبة " مع طلقات مدفع رمضان ، وهن يرقصن في مشهد كرنفالي - لم ينقصه الوقار - لا تجد مثله في شهر رمضان في أي بقعة على كوكب الأرض .
المائدة التي تحولت إلى " تريند " سنوي ، بدأت قبل عشر سنوات ، و كأنها كائن حي ، ازداد طولها عامًا بعد عام ، و في عامها العاشر اقامها اهل المطرية - مسلمين و مسيحيين - تحت " المحبة ولمة العيلة "، وشاركهم الفرحة وزراء ، و فنانين ، و شخصيات عامة ، ومشاهير ، جلسوا و تحيطهم لافتات الترحيب بعبارات دالة ، و من بين ما التقطت من عبارات .." رمضان في المطرية حاجة تانية " ، و "المطرية ما فيهاش إيد غريبة "، " أهو ده الحلو اللي بيننا ، و أبدع شباب الحي في رسم أكثر من " جرافيتي " على حوائط المنازل ، و أبرزها ها العام أكثر من رسم لخريطة فلسطين، تعبيرًا عن التضامن مع أهالي غزة في مواجهة العدوان الإسرائيلي الهمجي ، كانت فلسطين حاضرة بقوة على مائدة إفطار المطرية، بالعلم و بصور شهداء غزة ، في عز الفرح ابلغ المصريون رسالتهم إلى العالم : ان موقف مصر الرسّمي والشّعبي واحد ، وإن القضية الفلسطينية قضيتهم ، كما هي قضية الفلسطينيين .
مائدة إفطار " المطرية " المنتظمة منذ عشر سنوات ، تصفع في كل عام من يراهنون على تفجير الغضب الشعبي لحساب قوى الشر التي لاتريد الخير لهذا الوطن ، و ولا يجب أن ننسى أن جماعة الإخوان الإرهابية ، كانت تنطلق بأخر مظاهراتها ضد ثورة المصريين في 30 يونيه من حي المطرية الذي يرد عليهم بدرس " مطراوي " بسيط و لوحة توضيحية رائعة ، عنوانها " المحبة ولمة العيلة " .