"عاد محمولا على الأعناق".. فلاح لم يحتمل استبعاد ابنه من النيابة بسببه
قررت الأم أن تخبر والده، بعد 15 يوماً من قرار استبعاده، جلست الزوجة بجوار الأب الفرح باقتراب تحقيق حلمه، تمتمت بكلمات حاولت أن تزينها بقدر الإمكان، لكنها فى النهاية أخبرته بأن نجله استبعد من النيابة بسبب عمله الذى توارثه عن أجداده «فلاح ابن فلاح»، فطالب زوجته بأن تتركه وحيداً وهو يتمتم بكلمات: «ذنب محمد إيه إنى متعلمتش.. ما الفلاح بيأكل الريس وبيأكل المستشار وبيأكل مصر كلها».
لم يغمض لكمال الدين «الأب» جفن ليلتها، ظل حتى الصباح يناجى نفسه، وفى اليوم التالى خرج لعمله، لكن سرعان ما عاد محمولاً على الأعناق، بعدما سقط مغشياً عليه فى الطريق مصاباً بجلطة فى المخ ونزيف حاد، نقل على أثرها إلى المستشفى، الذى لم يكمل فيه 3 أيام قبل أن يفارق الحياة.
قصة «محمد» ووالده كما يرويها لـ«الوطن»، بدأت بعد أن تخرج فى كلية الشريعة والقانون، بتقدير جيد جداً عام 2010، ويقول: «كنت من المتفوقين، ترتيبى الـ19 على الدفعة»، كان التخرج بمثابة الخلاص من حياة السكن الجامعى الذى قضى فيه 4 سنوات، بعدما رحل عن بلدته فى سوهاج لاستكمال تعليمه بجامعة الأزهر بعد نجاحه بالثانوية العامة.
تخرج الشاب كان بمثابة خطوة على طريق ارتداء وشاح القضاء، وتحقيق حلم والده، الذى طالما ردده على مسامعه داعياً: «روح يا بنى ربنا يكرمك وتبقى حاكم عادل»، وهو نفس الدعاء الذى ردده الأب وهو معلق بأستار الكعبة، وحين فُتح باب الترشيح للنيابة العامة تقدم الشاب للترشيح، معتقداً أن شروط التعيين التى نصت عليها المادة 38 من قانون السلطة القضائية تتوافر فيه.
بعد اجتيازه كل الاختبارات، والمقابلات، التى انتهت بلقاء اللجنة السباعية التى تتشكل من 7 قضاة من أعضاء مجلس القضاء الأعلى، ويقول: «عرفنا فى البلد إنه تم تعيينى، بعد تسريب نتيجة نجاحى فى الاختبارات، وفى الأقاليم بيفرحوا إن ابنهم دخل النيابة، والدى فرح وعمل احتفال ودبح الدبايح». ويتابع: «جلست أنتظر اعتماد رئيس الجمهورية، حينها محمد مرسى للنتيجة، لكن تعطلت بسبب ما حدث فى 30 يونيو، ليخرج قرار عدلى منصور، الرئيس الانتقالى لمصر، باستبعاده بجانب 138 من الناجحين، بعدما دفع مجلس القضاء الأعلى بشرط جديد وهو أن يكون والدى المرشح لدخول بوابة القضاء حاصلين على مؤهل عال». بعد وفاة والده، وما حط على عائلته من خراب بعدما استبعد من النيابة لم يجد الشاب وزملاؤه مفراً من اللجوء إلى الوقفات الاحتجاجية والظهور فى الحلقات التليفزيونية، بعدما طرقوا كل أبواب القضاء من أجل السماح لهم بدخول «جنته» ولكن دون جدوى.
كانت أولى خطواتهم حين رفعوا قضية فى «دائرة طلبات رجال القضاء» لكنها رفضت، واعتبرت ذلك جزءاً من سلطة مجلس القضاء الأعلى التقديرية، ويقول: «من تاريخ إنشاء تلك الدائرة، لم تنصف طالباً واحداً رُفض أو اُستبعد من النيابة»، ويؤكد أن مجلس القضاء الأعلى لا يتعاون مع تلك الدائرة ولا يقدم لها ما تطلبه من أسباب الاستبعاد.
لم يفقد «محمد» وزملاؤه الأمل وتوجهوا إلى مجلس الدولة، باعتبار ما حدث مخالفاً للمادة 531 من الدستور، وأن استبعاده «جريمة تمييز»، ويقول: نرفع قضية كمواطنين مصريين ونريد أن يرفع عنا التمييز، لكن ما كان من مجلس الدولة إلا أنه أحالنا مرة أخرى لدائرة طلبات رجال القضاء: «حولنا تانى لدائرة طلبات رجال القضاء بعد إصدار قرار بعدم الاختصاص».