صديق "عرفات" يروي لـ"الوطن" ذكرياته مع النكبة الفلسطينية
على الرغم من تقدمه بالسن إلا أنه لا يزال يتذكر أدق تفاصيل ذكرياته، حيث أعطته 80 عامًا هي عمره رصانة أكثر، ورسمت قسمات وجهه معالم الثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها.
اللواء المتقاعد أديب حنايشة، الذي رافق ياسر عرفات منذ الأيام الأولى لقدومه إلى فلسطين عام 1967 وبداية تكوين الكفاح المسلح، استعاد مع "الوطن" ذكرياته أثناء النكبة الفلسطينية، قائلا: "أود أن أقول لك بداية نكبتنا ترجع إلى أول لحظة لقدوم جندي إنجليزي إلى الأرض الفلسطينية عام 1917، حيث شرعت الحكومات البريطانية بتنفيذ وعد بلفور، وبدأ البريطانيون بالتواطؤ لتسريب الأرض العربية لليهود الصهاينة، وسعوا إلى ذلك مستخدمين كل وسائل الضغط على الفلاح الفلسطيني ليترك أرضه، و لابد من الإشارة إلى أن نسبة عالية من أرض فلسطين كانت ملكًا للسلطنة العثمانية حتى دخول الإنجليز فيما يعرف بـ(الجلنفك) أي أراضي الدولة وأيضًا في نهاية الحكم العثماني قامت السلطنة ببيع أراضي فلسطينية إلى عائلات إقطاعية لبنانية وسورية منها عائلة سرسق و العمري والأسعد مخالفة كون أرض فلسطين ومنذ الفتح الاسلامي ملك لمن يفلحها من أهلها العرب".
ويضيف "حنايشة": "بالفعل قامت الحكومة البريطانية المحتلة بتسريب الأراضي أملاك الدولة للصهاينة ونجحت الوكالة اليهودية أيضًا في شراء آلاف الدونمات من أراضي مرج بن عامر القريبة منا في جنين وفي منطقة الساحل الفلسطيني، ومن قام بهذا البيع كان بعيدًا خلف البحار لا تطاله يد الشعب الفلسطيني والثوار الذين أنزلوا عقوبة الإعدام بكل من حاول تسريب أراض للصهاينة بالبيع أو التسهيل من مواطنين وموظفين في حكومة الانتداب، وكان من يسكن فوق هذه الأراضي التي بيعت رغم أنفهم وغالبًا دون علمهم يفاجئون بقوات الاحتلال البريطاني تداهم قراهم وتطردهم عنوة من بيوتهم وأراضيهم".
ويتابع صديق عرفات: "الفلاح الذي كان يمتلك أرضه تعرض لضغوطات هائلة وحرب في كل مناحي حياته لتركها، وأتذكر أنه في طفولتي الإنجليز كانوا يعمدون إلى عرض بضائع زراعية بأسعار قليلة بخسة أو حتى مجانية في مواسم الحصاد والجني ليضربوا محصول المزارع الفلسطيني ويتعرض للكساد، فكانوا يعمدون إلى توزيع الطحين بسعر قليل في موسم الحصاد في فلسطين"، مشيرًا إلى أن هذه السياسة لم تنجح في دفع المزارع لبيع أرضه بل استعاض عن الزراعة بالتحول إلى عامل في المدن مثل حيفا و يافا، وأذكر أن عائلتي من قلائل العائلات التي لم تترك الأرض، أننا كنا نمر بأرضي بور على طول الطريق إلى أرضنا في السهل البعيد عن القرية كيلومترات".
ويقول حنايشة: "كان الثوار الفلسطينيون يتواجدون في جبال فلسطين وينشطون بوتائر مختلفة حسب الظروف السياسية العربية فتارة تشتعل الثورة وتارة يختبئون، و كنا نستمع إلى اذاعات الدول العربية وبياناتهم بأنهم قادمون و لا داع للخوف والنجدة العربية آتية، وحينما بدأت حرب 1948 وتصدى الثوار الفلسطينيين بما توفر من سلاح للعصابات الصهيونية وكان مقررًا أن يدخل الجيش المصري إلى جنوب فلسطين، والأردني إلى منطقة القدس ورام الله، والسوري شمالًا، أما العراقي فكان من المقرر أن يحضر إلينا هنا في جنين و نابلس و طولكرم، ودخلت الجيوش العربية وحدث أن أعيق دخول الجيش العراقي إلى منطقته وسبقته طليعة منه ساعدت الثوار في التصدي للعصابات الصهيونية المتفوقة عسكريًا وكانت محاصرة في سرايا جنين التي احتلها الصهاينة وقراها، وكان عدد من أبناء القرية محاصرين مع الجيش العراقي وسقط شهداء منهم".
ويضيف "حنايشة" ،: "وصل العراقي مندفعًا في الثالث من يونيو 1948 ونجح في تحرير جنين ودحر العصابات الصهيونية وأذكر منظر أهل قريتنا وهم يساندوه بما توفر معهم من أسلحة بسيطة وبيضاء أحيانًا، وطهر مجموعة قرى حول جنين من الصهاينة ولاحق قواتهم إلى العفولة وباتجاه حيفا".
ويتابع "حنايشة": "أرغم الفلسطينيون الواقعون تحت احتلال العصابات الصهيونية على ترك قراهم وأرضهم وقتل منهم الكثير حتى أثناء خروجهم ولجوئهم إلى الدول العربية وقطاع غزة والضفة، وبقيت القرى تقاوم وأذكر أن قرى في منطقة حيفا مثل الطيرة وأجزم وعين غزال صمدت لأكثر من شهرين و هي تقاوم وحدها، بعض القرى تعرضت لمذابح مثل دير ياسين الشهيرة منها في منطقتنا مثل الطنطورة قرب حيفا، وقرية ناصر الدين قرب طبريا، وبسبب شدة العدوان الصهيوني وسرعته فمن الناس من خرج من بيته بملابسه فقط تاركًا كل حياته خلفه ومنهم من تمكن من إخراج بعض ممتلكاته، و قبل وصول العراقيين وكأطفال ونساء وكبار سن تركنا بيوتنا وذهبنا إلى قرى في الجبال الواقعة شرقا لكننا عدنا بعد أيام، وبعد أن حلت الكارثة أخذت مخيمات اللجوء تقام في وضع شديد البؤس لأناس كانوا أعزاء في بلادهم صمدوا طيلة الاحتلال البريطاني البغيض والذي لم يتمكن من حسم فلسطين لمصلحة المشروع الصهيوني بصمود أهلها فلجأوا الى الحرب والتنكيل والمذابح".
ويختتم حنايشة بالقول :"كانت نكبة بمعنى الكلمة ليس للفلسطينيين وحدهم بل لكل أمتنا العربية والمسلمة وهي حاضرة مستمرة طالما بقي الظلم واقعًا على الشعب الفلسطيني سواء في مخيمات الشتات أو في الأرض المحتلة في الضفة الفلسطينية والقطاع وتتجدد باستمرار".