ونحن على أعتاب حلول الذكرى الثانية لثورة 30 يونيو وبعض من ظلال الحديث حول عام من حكم الرئيس عبدالفتاح السيسى، قد يكون مفيداً لنا ولصناع القرار أن ندقق قليلاً فى بعض مما لم يتحقق وينتظره الشارع، وللعلم هو لم يعزف عن انتظاره، ما سنستعرضه فى تلك الوقفة بتحليل أهميته وضروريته للمواطن المصرى بعد ثورتين يؤشر إلى أن الصمت عليه يشكل ضيقاً حقيقياً يتمدد، وغيابه يضع الجهاز التنفيذى برمته قيد التقصير، حتى إن كانت الفترة الزمنية محدودة لا تسمح بالتطوير والتحديث الشامل.
بامتداد 27 محافظة مصرية هل من المتصور أن واحدة منها على الأقل لم تخرج بمنظومة جديدة فاعلة لحل مشكلة النظافة العامة، المقصود هو نظافة الشوارع والمرافق العامة بالصورة التى تجعل الوجه الحضارى يشرق على أى مدينة مصرية، مما يجعلها تعلن بوضوح أنها مدينة نظيفة بالمعايير العالمية والتجارب فى هذا المضمار متنوعة شرقاً وغرباً فى المدن الثرية والمتواضعة، الكل اشتبك مع المشكلة لأهميتها وحقق فيها نجاحات حقيقية، الحديث العام الأخير حول هذه القضية كان فى نهايات عصر حكومة أحمد نظيف إبان إسناد تلك المهمة إلى شركات أجنبية، وهى تجربة شهدت من التعثُّر والفشل ومزالق الفساد، ما حولها إلى نطاق النزاعات القضائية، ما بين الحكومة ممثلة فى المحافظات، وما بين شركات لم تلتزم بما تعهدت بالقيام به، ومن غير البكاء على اللبن المسكوب نحن أمام قضية يريد المواطن المصرى أن يرى ملمحاً متغيراً فى أدائها، علماً بأنه ما زال يسدد قيمة فرضت عليه كرسوم للنظافة أخذت شكل ما يشبه الجباية، والمشكلة لها العديد من المفردات التى قد يحمل بعضها شيئاً من الإيجابيات، ففضلاً عن الوجه والسلوك الحضارى المطلوب، الذى سينعكس على أداءات أخرى مهمة، يمكن تحقيق طفرة ملموسة فى مجال التشغيل والاستثمار، يجعل للأمر جانبه الربحى، الذى حققته بالفعل التجارب العالمية الجادة والصارمة من أجل تحقيق هدف الحياة النظيفة.
المنظومة الثانية الغائبة والناتجة عن التركة المثقلة هى المواصلات العامة والنقل بصورته الشاملة، من غير المقبول أو المتصور أن يظل هذا الأمر بهذه المساحة الهائلة من العشوائية المطبقة التى تضع مقاليد هذا الملف فى قبضة سائقى الميكروباص والتوك توك والمينى باص والربع والنصف نقل وسائقى سيارات الأجرة، إذا سلمنا بأن هذه الطائفة، مع كامل احترامنا لها، هى التى ستخطط لاستراتيجية ملف النقل فى مصر، فإننا بذلك إما أننا نهذى وإما أننا نخطط لأن نصل إلى هذه الصورة العشوائية، ليس فى الأمر مبالغة على الإطلاق طالما ظل هذا المجال مباحاً ومتاحاً لأى شخص يقوم بشراء المركبة التى يقرر أن يدخل بها هذه السوق دون وجود أى تخطيط أو ضوابط تحكم هذا العمل، معلوم أن هذا النشاط الخاص يقوم بسد الفجوة المتمثلة فى عدم جاهزية النقل العام بصوره المختلفة على تقديم الخدمة الشاملة لحركة الركاب والبضائع، لكن من دون ضوابط صارمة، فنحن أمام النتيجة الكارثية التى نواجهها يومياً ويعانى منها المواطن والشارع المصرى، والنتيجة توصف بالكارثية لأنها منظومة تقدم خدمة عامة للمواطن ترتبط فى تلقيه لها بصورة الدولة التى تقف أمام تهالك المنتج وكأنه القدر الذى لا فكاك منه، التخطيط والرقابة الفعالة والأفكار التى قد تقدم حلولاً واقعية تحسّن وتطور من أداء المنتج ما زالت غائبة عن الملف والإرادة ذاتها أصبحت محل شك، فمتى سيصدر محافظ واحد من المحافظات المصرية قراراً بوقف ترخيص الميكروباص أو سيارة الأجرة بسبب اكتفاء محافظته بالعدد الموجود ووصول الطرق إلى أقصى درجاتها الاستيعابية التى لن تقبل المزيد، صدور قرار مثل هذا، وكثير من المحافظات المصرية وأولاها العاصمة تحتاج إليه بشدة، يعنى أن المحافظ قد بدأ أولى خطوات تعامله مع الأزمة، وقد يكون على طريق الإصلاح الحقيقى، نقل ملكية وترخيص مزاولة نشاط النقل إن كان ركاباً أو بضائع من الملكيات الفردية العشوائية إلى شركات يمكن إخضاعها للرقابة وفرض اشتراطات عليها تضمن جودة المنتج قد ينقل هذا الملف نقلة هائلة فى طريق التحديث، وقد يحقق مثل هذا المقترح وبه العديد من التفصيلات مضمونة النجاح تغييراً وتحديثاً يضع الأمر فى شكله الآدمى والمنضبط الذى قد يغير وجه المدن والطرق المصرية. هذان النموذجان هما مثالان بما يمكن للمساحة أن تستوعبهما، لكن حديث غياب التعامل أو الاشتباك مع مثل تلك القضايا الملحة واليومية فى حياة المواطن هو الأساس، والمقصود من مثل هذا الحديث، ولدينا أسوة إيجابية فيما يمكن الاسترشاد به فى كيفية الخروج من المشكلات التى تبدو قدرية وهى منظومة الخبز المدعم والسلع التموينية، وهى تجربة حققت نقلة إيجابية نوعية يصعب تجاوزها فى أى من وقفات التقييم الموضوعى لما تم إنجازه فى عام من حكم الرئيس، ولذلك كما بدأ حديثنا قد يكون من الخيال أن نأمل فى حل كل مشكلات المحافظات جميعها فى ضربة واحدة، لكن من المتصور ضرورة الإصرار على وجود نموذج ناجح فى محافظة واحدة على الأقل يمكن البناء عليه وتعميم تطبيقه وتطويره، هكذا ينتظر المواطن من جهازه التنفيذى بدلاً من أن يجلس يومياً فى انتظار ما لا يأتى، ويتحدث فى كل مناسبة عن إرادة وقبضة الدولة التى لم تقتحم مشاكله حتى الآن.