فى باب السلطات العامة -السلطة التشريعية- تنص المادة 106 على أنه «لأعضاء البرلمان إبداء رغبات فى موضوعات عامة إلى رئيس الوزراء أو أحد نوابه أو أحد الوزراء»، وإبداء الرغبة فى حد ذاته لا يحتاج إلى نص دستورى، فكم كنا نبدى من رغبات فى برلمان 2005-2010 ولم يكن يستجيب لها أحد ودون أى مبرر، ويجب لكى يكون لهذا النص قيمة حقيقية أن يلزم الدستور الحكومة بتعليل عدم تنفيذ الرغبة كتابةً للعضو الذى أبدى الرغبة، لأن الرغبة لن تكون إلا فى الموضوعات العامة، خاصة أن المادة 108 تلزم البرلمان بالرد على الاقتراحات المكتوبة المقدمة للمجلسين من أى مواطن وخلال مدة محددة.
والملاحظة المهمة أن الدستور لم يحدد نظاما انتخابيا معينا، فقد نصت المادة 113 على أن «يشكل مجلس النواب من عدد لا يقل عن ثلاثمائة وخمسين عضواً.. ويبين القانون شروط العضوية الأخرى، ونظام الانتخاب، وتقسيم الدوائر الانتخابية، بما يراعى التمثيل العادل للسكان».
ومؤدى هذا النص أن أى نظام انتخابى يقرره القانون سيكون محلاً للطعن فى دستوريته، إلا لو أخذنا بالنظام الفردى فقط، لأن أى خلط بين نظامى الفردى والقوائم سيتعارض بالتأكيد مع مبدأى المساواة وتكافؤ الفرص المنصوص عليهما فى المادة 30، ومن هنا كان يتعين أن توضع ضوابط دستورية لنظام الانتخاب حتى يمكن وضع القانون وفق هذه الضوابط، أما أن تترك الأمور عائمة فهذا يعنى عدم الاستقرار السياسى، إلا لو كان المقصود أن تجرى الانتخابات وفقاً للنظام الفردى فقط، وهو ما ترفضه معظم القوى السياسية والحزبية.
وتحت باب السلطة التنفيذية الذى بدأ برئيس الجمهورية، نصت المادة 134 على أن «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، وهو رئيس السلطة، يرعى مصالح الشعب، ويحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه، ويراعى الحدود بين السلطات...»، ولا أتصور أن يراعى رئيس الجمهورية رئيسُ السلطة التنفيذية الحدود بين السلطات، فالذى يقوم بذلك هو الدستور فقط ولا شأن لرئيس الجمهورية بذلك، وكم كنا نعانى من مقولة إن رئيس الجمهورية هو الحكم بين السلطات! وهذا النص يضع رئيس الجمهورية -بغير حق- فوق جميع السلطات التى يراعى حدودها، فكيف سيراعى رئيس السلطة التنفيذية حدود تلك السلطة مع السلطتين التشريعية والقضائية؟ فالصحيح إذن أن تحذف عبارة «ويراعى الحدود بين السلطات» من نص هذه المادة.
غير أن أكثر ما يثير العجب والاستغراب هو نص المادة 146 التى تنص على أنه «يتولى رئيس الجمهورية سلطاته بالاشتراك مع رئيس الوزراء ونوابه والوزراء، فيما عدا تلك المنصوص عليها بالمواد 143، 149، 150، 152، 153 من الدستور. ولا تعفى أوامر رئيس الجمهورية، الشفهية أو المكتوبة، الحكومة من المسئولية».
وبمراجعة المواد المذكورة فى هذه المادة لا نجد بها أى سلطات يمكن أن يباشرها رئيس الجمهورية أو رئيس الوزراء أو نوابه أو الوزراء؛ فالمادة 143 تتحدث عن دخول موازنة رئاسة الجمهورية والأجهزة التابعة لها موازنة الدولة وتخضع لرقابة الجهاز المركزى للمحاسبات، والمادة 149 تنص على أن «يلقى رئيس الجمهورية بياناً حول السياسة العامة للدولة فى جلسة مشتركة لمجلسى النواب والشيوخ عند افتتاح دور انعقادهما»، والمادة 152 تتحدث عن حق رئيس الجمهورية فى تعيين الموظفين المدنيين والعسكريين والممثلين السياسيين وعزلهم أو إقالتهم، والمادة 153 تتحدث عن حق رئيس الجمهورية -بعد موافقة الحكومة- فى إعلان حالة الطوارئ. فماذا يعنى استثناء هذه المواد من سلطات رئيس الجمهورية؟ أيضاً فإن تقرير مسئولية الحكومة وعدم إعفائها من المسئولية حتى لو صدر لها أمر كتابى من رئيس الجمهورية -كما ورد بالمادة 146- هو أمر يصعب فهمه، فالأمر الكتابى يعفى المرؤوس من المسئولية لأنه لا يستطيع أن يمتنع عن تنفيذ الأمر، وفى هذه الحالة فإن الرئيس مُصدر الأمر هو الذى تقع عليه المسئولية وحده، وهذا أمر بديهى وإلا فإنه لا معنى ولا حجية لأى أمر يصدره الرئيس لأن من حق المرؤوس ألا ينفذه.
أما ما ورد بالمادة 166 من أن «لا يطلب طرح الثقة من الحكومة إلا رئيس الوزراء»، فأمر غير مفهوم؛ فكيف سيطرح رئيس الوزراء الثقة فى حكومته؟ فالثقة يمنحها مجلس النواب فقط وهو أيضاً من يملك سحبها.
من كل ما تقدم يتضح أن العوار والتهاتر قد أصابا العديد من مواد مشروع الدستور، وأنه لا يمكن أن يتحقق استقرار فى مصر بمثل هذا المشروع، فالخلل فى مواد الدستور قطعاً سيصيب كل مناحى الحياة بالقلق والفوضى التى تعيق أى تقدم يمكن أن نرجوه لبلادنا، فأرجو من أعضاء الجمعية أن يراعوا الله والوطن وأن يكونوا على قدر المسئولية التاريخية وألا تأخذهم العزة بالإثم.