تعديلات «منع الاحتكار»: معارك «التكبيل والاستقلال» خلال 10 سنوات
تعديلات «منع الاحتكار»: معارك «التكبيل والاستقلال» خلال 10 سنوات
أحمد عز
فى ظل الحديث عن نظام اقتصاد حُر، يبرز الحديث عن إيجاد ضوابط بمثابة «لجام» لقوى السوق. ومنذ أعلنت الحكومة خلال فترة تولى رشيد محمد رشيد وزارة الصناعة، أواخر 2004، إصدار قانون لحماية المنافسة ومنع الاحتكار، بدا أن هناك تفاؤلاً لدى نسبة ليست بالقليلة داخل مجتمع الأعمال، لكن هذا التفاؤل تبدد سريعاً بعد 5 سنوات فقط على إنشاء الجهاز بعد الضغوط التى تمت ممارستها عليه خلال حكم مبارك، غير أن آمالاً كبيرة يعقدها مجتمع الأعمال على التعديلات التى أُدخلت على القانون بعد ثورة يناير، وكان من بينها الإعفاء من العقوبة لأول مُبلّغ عن وجود جريمة احتكارية بدلاً من الإعفاء من نصف العقوبة فقط، إضافة لزيادة الحد الأقصى للعقوبة ضد من مارس احتكاراً، 300 مليون جنيه، أو 10% من قيمة السلع المخالفة، أيهما أكثر. ولأن هناك من رأى فى جهاز منع الاحتكار سيفاً قد يطال رقبته، فقد شهد الجهاز منذ ولادته ورئاسة الدكتورة منى ياسين له ضغوطاً أدت فى وقت من الأوقات إلى أن وصل الأمر لصدام حاد بين اثنين من كبار رموز دولة مبارك، رشيد محمد رشيد، وأحمد عز أمين تنظيم الحزب الوطنى المنحل.
بدأت الضغوط على جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار منذ الأيام الأولى لتأسيسه فى أواخر عام 2004، وذلك عندما سعى وزير الصناعة الأسبق -الهارب حالياً- رشيد محمد رشيد لمعالجة بعض قصور التشريعات المنظمة لعمل الجهاز وإجراء تعديلات على القانون كان أهمها زيادة العقوبة المالية المقررة على من تثبت عليه تهمة الاحتكار لتصبح 300 مليون بدلاً من 10 ملايين جنيه، وإضافة مادة جديدة تقضى بإعفاء المبلغ عن الممارسة الاحتكارية من العقوبة نهائياً وهى المادة التى أثارت صخباً وضجيجاً داخل أوساط مجتمع الأعمال عام 2008 وقبلها داخل مجلس الشعب.
خلافات «عز» و«رشيد» لتعديل القانون الأشهر.. وأصحاب النفوذ أفسدوا عمل الجهاز و«تغليظ العقوبات والاستقلالية عن الوزير».. أبرز قرارات «السيسى» لتصحيح المسار
هذه التعديلات المقترحة أشعلت معركة وقتها داخل البرلمان بين رشيد و«لوبى» رجال الأعمال بزعامة أحمد عز أمين التنظيم السابق بالحزب الوطنى المنحل، وصاحب مجموعة عز التى كانت تستحوذ على أكثر من 60% من حجم سوق الحديد. تمكن «عز» وقتها من حشد مناصريه ضد المادة الخاصة بإعفاء المبلغ ليجهض التعديل الأهم لـ«رشيد»، حيث تفيد تجارب الدول الأجنبية بأن إعفاء المبلغ من العقوبة أسهم فى الكشف عن مخالفات لا حصر لها، ففى هولندا على سبيل المثال أدى هذا التعديل إلى كشف ما يقرب من 1300 قضية احتكار. وانتهت الجولة الأولى للتعديلات بخيبة أمل لوزير التجارة والصناعة الذى قرر وقتها السفر إلى باريس، وأسرّ للمقربين منه -وقتها- عن عزمه تقديم استقالته، لكنه عدل عن القرار لاحقاً.
بعد 25 يناير دخل الجهاز فى سلسلة من النقاشات والحوارات المجتمعية التى أفضت فى النهاية إلى أهمية وضرورة إدخال تعديلات جوهرية على القانون المنظم لعمل الجهاز، بما يعزز من استقلاليته وصلاحياته فى ضبط الأسواق، وكان من أهم القرارات والتعديلات التى أدخلت صدور قرار من رئيس مجلس الوزراء السابق حازم الببلاوى بتفويض الدكتورة منى الجرف، رئيس مجلس إدارة الجهاز، باختصاصات الوزير المفوض، المنصوص عليها فى المادة 21 من قانون حماية المنافسة، التى تعطى استقلالية لرئيس الجهاز فى طلب رفع الدعوى الجنائية أو التصالح فى القضايا التى تتضمن مخالفة لقانون حماية المنافسة، دون الرجوع إلى أى جهة، وكان لهذا القرار أثر إيجابى فى إلغاء سيطرة وزير الصناعة على الجهاز، ومنح رئيس الجهاز المزيد من الاستقلالية فى مواجهة أى ممارسات احتكارية.
بعد القرار كانت ثمة تعديلات أخرى أكثر أهمية، أقرت بموجب قرار من الرئيس عبدالفتاح السيسى فى يوليو 2014، تضمنت تغيير أكثر من 17 مادة تقريباً، ربما كان من أهمها تلك المتعلقة بالعقوبات والتى وقف أمامها أحمد عز لسنوات، وأقرت التعديلات الخاصة بالعقوبات فرض غرامات نسبية بدلاً من فرض غرامة ثابتة على من قام بممارسة احتكارية، بخلاف العقوبات التى وصلت إلى 2% من إجمالى الإيرادات للمخالفين للمادة 6، وفى حالة تعذر حساب إجمالى الإيرادات تقدر الغرامة بحيث لا تقل عن 500 ألف جنيه ولا تتجاوز 500 مليون جنيه، بينما تضمنت عقوبة مخالفة المادتين 7 و8 دفع 1% من إجمالى الإيرادات بحيث لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تتجاوز 300 مليون جنيه وأن تتم مضاعفة الغرامة إذا عادت الشركة لارتكاب المخالفة أو عدم الالتزام بتنفيذ قرارات الجهاز.
وبحسب رأى الدكتور وليد جمال الدين، رئيس المجلس التصديرى لمواد البناء وأحد الذين تابعوا أداء الجهاز نتيجة قضية احتكار الأسمنت، فإن الجهاز تعرض لقضايا أكدت عدم استقلاليته.
وأوضح أن تعامل الجهاز مع ملفى الحديد والأسمنت خلال «فترة مبارك» أثبت أن هناك ازدواجية تعامل، موضحاً أن هذه الازدواجية اتضحت فى سرعة إصدار نتائج دراسة سوق الأسمنت بينما بقى ملف الحديد حبيس الأدراج لأكثر من سنة، رغم إحالة الملفين فى وقت واحد. وأضاف: «فى الوقت الذى شهدت فيه أسعار الحديد ارتفاعات جنونية وقلّ عدد شركات الحديد عن عددها بقطاع الأسمنت، فإن الجهاز نجح فى إثبات تهمة الاحتكار على الأخيرة ونفاها عن الأولى»، معتبراً أن ما حدث أثبت الضغط على الجهاز بواسطة أفراد لهم نفوذ، ما أثر سلبياً على عمل الجهاز، فيما طالب بتبعية الجهاز لرئاسة الوزراء ضماناً لجزء من السلطة والفاعلية له.