«الرقابة المالية»: «الصناديق الخاصة» تخضع لإشرافنا.. و«الحسابات» خارج سيطرة الهيئة
«الرقابة المالية»: «الصناديق الخاصة» تخضع لإشرافنا.. و«الحسابات» خارج سيطرة الهيئة
محسن عادل - شريف سامى
حسم خبراء الاقتصاد جدلاً قائماً منذ أكثر من 6 سنوات حول فوضى ما يسمى بـ«الصناديق الخاصة»، مؤكدين أنها تخضغ لرقابة صارمة من جانب هيئة الرقابة المالية، لكن الذى لا يخضع للرقابة هو «الحسابات الخاصة»، التى تُعرف خطأ فى وسائل الإعلام بـ«الصناديق الخاصة»، ما يؤدى لوجود خلط يستحق التوضيح.
«سامى»: صناديق الجيش والرئاسة والشرطة والجهات السيادية خاضعة للرقابة
وقال شريف سامى، رئيس هيئة الرقابة المالية، إن هناك خلطاً بين «الحسابات الخاصة» و«صناديق التأمين الخاصة»، موضحاً أن الأولى، هى «حسابات تُجمع من حصيلة تقديم خدمة إضافية خارج نطاق الموازنة الرسمية، ولا تخضع لرقابة هيئة الرقابة المالية»، وهى كثيرة ومنتشرة مثل الصندوق الشهير لمواجهة كارثة زلزال 1992، وعدد كبير من صناديق الخدمات داخل المحافظات، أما صناديق التأمين الخاصة فتخضع لرقابة وإشراف الهيئة، بما فيها صناديق التأمين الخاصة للقوات المسلحة والشرطة والجهات السيادية الأخرى ورئاسة الجمهورية.
وأضاف «سامى» فى تصريحات خاصة لـ«الوطن»، أن الهيئة تقوم بمهام التفتيش الدورى على أعمال الصناديق الخاصة من خلال الميزانيات الواردة، والفحص المكتبى والميدانى لأعمالها والتأكد من أوجه إنفاقها، ومتابعة السياسات الاستثمارية لتلك الصناديق ومدى توافقها مع النسب المحددة باللائحة التنفيذية للقانون، وإخطار الصناديق بملاحظات الفحص، مضيفاً: «يجوز للهيئة تصفية الصندوق وشطب تسجيله إذا كانت أموال الصندوق لا تكفى للوفاء بالتزاماته، وإذا ثبت أن الصندوق لا يسير وفقاً لأحكام القانون أو القرارات المنفذة له أو النظام الأساسى، وكذلك إذا كانت إدارة الصندوق يشوبها الغش أو التدليس».
«جبريل»: 10% من جملة الإيرادات الشهرية للصناديق تؤول لخزانة الدولة
وأكد رئيس هيئة الرقابة المالية أن صناديق التأمين الخاصة واستثمارات شركات التأمين تبلغ نحو 100 مليار جنيه، الأمر الذى يستوجب ضرورة العمل على تطوير صناعة التأمين فى مصر، وكذلك تعزيز الرقابة على أموال صناديق التأمين الخاصة لتعزيز الاستفادة من تلك الأموال.
وقال محسن عادل، نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار، إن المطالبات بضم أرصدة الصناديق والحسابات للموازنة العامة، تواجه بعض التحديات، أهمها أن عدداً كبيراً من هذه الصناديق يمثل كيانات اقتصادية، مثل مشروعات رصف الطرق التابعة لصناديق تحسين الخدمة بالمحافظات، فهى تمتلك آلات ومعدات وأصولاً ثابتة تمثل فى طبيعتها شركات مقاولات، ومن أجل الحفاظ عليها يجب استمرارها، خاصة أنها تؤدى خدمات فعلية بقطاع المقاولات، وتعد إحدى الآليات التى تعتمد عليها الدولة فى تنفيذ خطط رصف وتحسين شبكة الطرق، كما أن البعض الآخر يحصل على تمويل خارجى من خلال اتفاقيات ومنح دولية لا يمكن معها إلغاء أو ضم تلك الصناديق للجهات الحكومية. وأضاف عادل أن هناك أيضاً بعض الصناديق ذات غرض اجتماعى، مثل صناديق تحسين الخدمة للمستشفيات الصحية، وهى تتلقى تبرعات من المواطنين ويجب احترام رغبتهم فى بقائها، موضحاً أنه فيما يتعلق بمطالبة البعض بضم الحسابات الخاصة بالجهات الإدارية المفتوحة خارج البنك المركزى، فإنه يجب أن تتم أولاً دراسة الهياكل التمويلية لهذه الحسابات أو الصناديق لمعرفة ما لها من حقوق وما عليها من التزامات حتى لا تتحمل الدولة عبء سداد هذه الالتزامات.
وتابع «عادل»: «هناك ضرورة لتشكيل لجنة عليا تضم ممثلى المالية والجهاز المركزى للتنظيم والإدارة، والمحاسبات، والتخطيط، والبنك المركزى، وممثلاً لمجلس الدولة وآخر لهيئة الرقابة المالية، لدراسة أوضاع كافة الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص من الناحية القانونية والمالية والإدارية لوضع تنظيم متكامل لها وتوفيق أوضاع ما لم يوفق منها واتخاذ إجراءات التصفية الخاصة لما يمكن أن تتم تصفيته، مع مراجعة ما أنشئ منها باتفاقيات دولية بالتنسيق مع وزارتى الخارجية والتعاون الدولى فى هذا الخصوص، والنظر فى اللوائح المالية والرقابية الخاصة بالصناديق العاملة حالياً، التى سيستمر عملها مستقبلاً بالتنسيق مع الإدارة المختصة بوزارة المالية، مع إعداد المسودة النهائية للقانون المنظم لتسوية أوضاع الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص فى ضوء الدراسة المتكاملة لأوضاع تلك الصناديق والحسابات والوحدات، ووضع الضوابط والقواعد لتنظيم الهياكل الإدارية الخاصة بهذه الصناديق والوحدات ذات الطابع الخاص، وأسس المرتبات والمكافآت والحوافز للعاملين بها، مع تطبيق الحد الأقصى للأجور عليها».
ولفت نائب رئيس الجمعية المصرية لدراسات التمويل والاستثمار إلى أنه من أعمال اللجنة تصميم النظام الخاص بالرقابة المالية المستمرة وضوابط إعداد القوائم المالية لتلك الصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص، مع تنظيم عمليات الصرف من أرصدة الصناديق والحسابات الخاصة، بحيث تخضع عمليات الصرف للقواعد القانونية المطبقة على كل الجهات العامة، ووضع الضوابط الخاصة بالاستثمارات والتعاقدات المتعلقة بالصناديق الخاصة، والوحدات ذات الطابع الخاص وأسس تخطيطها حسب طبيعة كل منها»، مضيفاً أن اللجنة خلال عملها يجب أن تتقدم بمقترحات نهائية تتضمن إغلاق أو دمج بعض الصناديق أو الحسابات الخاصة أو الوحدات ذات الطابع الخاص المتعثرة أو غير المحققة لجدوى استمرارها، على أن تؤول كافة أصولها وحقوقها للدولة، وتلتزم الدولة بالتزاماتها فى حدود أصولها وحقوقها المالية، إضافة إلى الإبقاء وإعادة الهيكلة لبعض الصناديق أو الحسابات الخاصة أو الوحدات ذات الطابع الخاص التى تعانى تعثراً، ولكن يجب دعمها من الدولة حفاظاً على الخدمات التى تؤديها للمواطنين والمجتمع، مع اقتراح تطوير أو تحديث أو دمج أو تصفية بعض الصناديق أو الحسابات الخاصة أو الوحدات ذات الطابع الخاص.
وأوصى «عادل»، بأن يتضمن عمل اللجنة المقترحة، بالإضافة إلى ما سبق لتحسين أداء ونتائج الصناديق والحسابات الخاصة، عدداً من الإجراءات بالتعاون مع الإدارة المركزية للخبرة المالية التابعة لوزارة المالية، وذلك لضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة نحو استصدار قرارات إنشاء بعض الحسابات والصناديق المخالفة لأحكام المادة 24 من اللائحة التنفيذية للقانون 53 عام 1973، ومعدل بالقانون رقم 87 عام 2005 بشأن الموازنة العامة للدولة، التى لم تصدر لها قرارات جمهورية بإنشائها، واتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إعداد اللائحة المالية لبعض الحسابات التى أسفر فحصها عن عدم وجود لائحة مالية لها معتمدة من وزارة المالية، بالمخالفة للقانون وذلك إحكاماً للرقابة على عملية الصرف والإيداع، والحد من المعاملات المالية والنفقات السنوية التى يرخص بها بموجب تشريعات أخرى بخلاف قانون الموازنة، خاصة أن الإقلال من المعاملات التى تتم خارج الموازنة يؤدى لمزيد من الشفافية، ويجعل الحكومات أكثر شعوراً بالمسئولية تجاه المالية العامة، مع تفعيل المنشور الوزارى رقم 12 عام 2011، الذى وضع الضوابط القانونية على عمل هذه الصناديق، إذ نص على عدم جواز صرف أى مكافآت لمجالس الإدارات أو ممثلى وزارة المالية من هذه الحسابات، مع ضرورة بناء علاقة تكامل بين الصناديق والحسابات الخاصة من ناحية، والأهداف المالية للحكومة من ناحية أخرى، حيث إن العلاقة بين الطرفين فى مصر تتوقف عند حدود ترحيل الفائض أو سداد العجز.
ونوه بضرورة تفعيل الآليات القانونية لتقليل احتمالات وجود أو تأسيس صناديق وحسابات خارج الموازنة بشكل غير مبرر، بما يضر بتكامل النظام الموازنى على المستوى الكلى، على سبيل المثال يجب أن تطور الحكومات سياسة عامة حول الحد الأدنى من المتطلبات اللازم توافرها فى تلك الصناديق والحسابات بناء على المعايير التى سبق الإشارة إليها، مع ضرورة صياغة إطار قانونى للصناديق والحسابات يتضمن المبادئ الضرورية للنظام الجيد للحوكمة، والإدارة المالية على أن يغطى ذلك الإطار كلاً من الصناديق والحسابات ككيانات اقتصادية وقانونية، والصناديق والحسابات كمعاملات مالية، مشدداً على ضرورة تشجيع الحكومة القيام بمراجعة منتظمة للصناديق والحسابات الخاصة التابعة لها بهدف تخفيض عددها إلى الحد الأدنى الضرورى فقط لتحقيق الأهداف الضرورية للسياسة، قائلاً: «لحسم الجدل نهائياً لا بد من تضمين البيانات الخاصة بكافة الصناديق والحسابات الخاصة داخل وخارج الموازنة بوثيقة الموازنة، وذلك لأهداف التحليل المالى وعرض المعلومات فى التقارير المالية، ولهذا الغرض لا بد من إعداد قائمة شاملة بالصناديق والحسابات خارج الموازنة».
وقال محمود جبريل، الخبير المالى، إن الجدل المجتمعى يتصاعد حول الصناديق والحسابات الخاصة بقطاعات الدولة، التى أصبحت مثاراً للعديد من الانتقادات فيما يتعلق بأسلوب إدارتها ورقابتها المالية، وأساليب الصرف منها، حيث تتسم بيانات الصناديق والحسابات الخاصة فى مصر بقدر كبير من السرية، مضيفاً أن تحسين أداء الصناديق والحسابات الخاصة من الممكن أن يساعد على توفير غطاء مالى للخزانة العامة للدولة، ويساعدها أيضاً على الحد من الاقتراض وتخفيض أعباء الدين العام.
وتابع: «وفقاً لقانون موازنة عام 2015 - 2016، فإنه اعتباراً من الأول من يوليو الماضى، يؤول للخزانة العامة للدولة نسبة 10% من جملة الإيرادات الشهرية للصناديق والحسابات الخاصة والوحدات ذات الطابع الخاص حتى ولو كان ذلك مغايراً لما هو وارد فى لوائحها المعتمدة، ويلغى كل حكم يخالف ذلك فيما عدا حسابات المشروعات البحثية والمشروعات الممولة من المنح والاتفاقيات الدولية وأموال التبرعات».
ولفت «جبريل» إلى أنه طوال السنوات الماضية، منذ موازنة عام 2012 - 2013 كانت الخزانة العامة تحصل على جزء من إيرادات بعض الصناديق والحسابات الخاصة لدعم الموازنة العامة، وذلك بمقتضى تأشير خاص يصدر بموازنة الجهة، أما الآن فقد تم وضع الأساس التشريعى لهذا الإجراء من خلال قوانين ربط الموازنة العامة للدولة اعتباراً من السنة المالية 2012- 2013، الذى ينص على اقتطاع 10% من الإيرادات الشهرية لتلك الصناديق والحسابات الخاصة للموازنة العامة، فضلاً عن اقتطاع نسبة 25% من جملة أرصدة تلك الصناديق والحسابات الخاصة بالبنك المركزى فى 30 يونيو 2013 للخزانة العامة ولمرة واحدة فقط، ما أدى إلى توريد نحو 10.6 مليار جنيه للخزانة العامة خلال العامين الماليين الماضيين، وأسهم فى زيادة موارد الموازنة العامة وبالتالى تخفيض العجز الكلى، مضيفاً أن عمليات الخصم تستبعد عدداً من البنود، حيث تم إصدار منشور يوضح حالات الاستثناء من خصم الـ10%، وهى المبالغ الخاصة بالتأمينات والأمانات والمبالغ المحصلة لحساب الغير ومبالغ القروض وأقساطها وحسابات رأس المال الدائم بالمدارس الفنية، وأيضاً عدم إخضاع ذات الإيراد لخصم نسبة الـ10% أكثر من مرة درءاً للازدواجية، وكذلك استثناء من الخصم قيمة الأدوية والمستلزمات الطبية بقيمتها الشرائية من إيرادات حسابات صناديق تحسين الخدمة بالمستشفيات، وكذلك المكون السلعى بالوحدات الإنتاجية حفاظاً على رؤوس أموال هذه الكيانات.
وقال الخبير المالى، «أود الإشارة إلى أن توفير الآليات السليمة والمناسبة للتعامل مع هذه الصناديق والحسابات الخاصة، يضمن لها تحقيق الأهداف المنوطة بها، كما يساعد على تحقيق متطلبات الشفافية لكافة بنود الموازنة ومصادر التمويل، وسيؤدى ذلك إلى تعميق المفاهيم المحاسبية للإدارة المالية السليمة وضبط التدفقات النقدية فى الخزانة العامة، بما يعزز من مفهوم وحدة الموازنة لإحكام ضبط الإنفاق العام فى المجتمع»، مؤكداً أن وزارة المالية تحاول حالياً اتخاذ بعض التدابير والآليات اللازمة لتشجيع الجهات الإدارية على إغلاق حساباتها ونقل أرصدتها إلى حساب الخزانة الموحد، حيث صدر القانون رقم 65 لسنة 2014 ونصت المادة 12 منه على أنه فى حالة عدم التزام الجهات بنقل أرصدتها فى موعد غايته شهر من صدور القانون، يؤول للخزانة العامة نسبة 50% من أرصدة هذه الحسابات على أن يؤول كامل الرصيد للخزانة العامة فى حالة عدم الالتزام بعد مضى 6 أشهر من صدور القانون، وهذا القانون سيسهم فى قيام هذه الجهات بنقل أرصدتها إلى حساب الخزانة الموحد بالبنك المركزى».