على «جيبك» يا تاجر
الأسواق.. غابت الرقابة.. فسيطر جشع التجار على السلع
تتعدد أشكال الفساد فى الأسواق التجارية، من غش لاحتكار لتهريب وتلاعب فى الأسعار، وكلها ممارسات متجذرة فى مصر، خصوصاً منذ الانفتاح الاقتصادى الذى بدأ فى مصر دون ضوابط فى منتصف سبعينات القرن الماضى، ومع كل أزمة ارتفاع أسعار أو واقعة غش أو احتكار، يتبادل التجار والمسئولون التهم، فالتجار متهمون بالجشع حتى صارت كلمة الجشع مقرونة بالتجارة، والتجار يشكون من سوء التشريعات وتضاربها وضعف الجهات الرقابية، ما يسمح بتسلل قلة فاسدة تسىء إليهم، فيما يشتكى التجار من الإتاوات والرشاوى التى يدفعونها مرغمين لموظفى الدولة حتى يستطيعوا ممارسة أعمالهم، وبين الفريقين يقع المواطن فريسة سهلة.
«الزينى»: نحتاج إلى قوانين رادعة تواجه جرائم الاحتكار.. و«زكى»: تحالفات السوق تتحكم فى الارتفاعات.. و«شيحة»: عدم السيطرة على السوق الموازية من أهم أسباب الأزمة
أحمد الزينى، رئيس الشعبة العامة لمواد البناء بالغرف التجارية، يرى أنه مع كل أزمة تواجه الحكومة توجه فيها أصابع الاتهام إلى التجار وكياناتهم الاحتكارية، التى تولد كل يوم، ليسيطروا على الأسواق طولاً وعرضاً، ويتحكموا فى الأسعار، ويحتكروا المنتجات ويسيطروا على سوق الغذاء وغيرها من الأسواق على حساب المواطن، وأضاف أن «حيتان الاحتكار» سعوا وجعلوا «ترزية القوانين» يفصلون قوانين من شأنها محاكمة الشخص المبلغ عن جريمة الاحتكار، بهدف حماية المحتكرين المسيطرين على قوت المواطنين، وهو ما مكنهم من احتكار كل شىء، وذلل لهم جميع العقبات القانونية، وروّض جميع الأجهزة الرقابية، وبات قانون الاحتكار لا يصلح لمحاربة هذه الكيانات الاحتكارية أو القضاء عليها، بل يحميها، مشيراً إلى أن الغرامات التى يفرضها على هذه الشركات لا تكون رادعة، لأن هذه الشركات تحقق أرباحاً طائلة من وراء احتكار هذه الصناعات، ولا تؤثر عليها هذه الغرامات، مشدداً على ضرورة وجود دور قوى للدولة، مضيفاً: «لا بد من وجود قانون يحد من سلطات التاجر».
وتابع: «أزمة ارتفاع الأسعار هى بمثابة الكابوس الذى بات يهدد الكثير من المواطنين فى ظل صمت وعجز الدولة عن مواجهة تلك الأزمة لفترات طويلة، وأصبح المحتكر يلعب دور البطولة، ويمارس فيها أبشع أنواع الفساد لأنه يحرمهم من العيش حياة كريمة، كما يؤثر بشكل سلبى على التاجر الشريف»، مشيراً إلى أن غياب الرقابة الحكومية وعدم محاسبة هؤلاء التجار واتساع نطاق أعمالهم جعلهم يتحكمون فى الأسعار والمضاربة عليها ورغبتهم فى تحقيق أكبر مكسب من وراء ارتفاع الأسعار».
التاجر تخرج السيدة إلى السوق وفى حافظة نقودها 100 جنيه وتعود بـ«حافظة نظيفة».. وشنطة بها «شوية خضار».. أين ذهبت «الفلوس»؟.. لا تعرف.. هناك زيادة فى الأسعار لكن «الجشع» يزيدها اشتعالاً
ونوه إلى أن كل تاجر يرفع السعر يقلده بقية التجار، لافتاً إلى أن ارتفاع سعر الدولار وانخفاض سعر الجنيه والمضاربة عليه أبرز أسباب الغلاء، ودعا لضرورة محاسبة من يخالف الأسعار عن طريق الحكومة وبنص القانون، موضحاً أن المستهلك هو من يدفع ثمن غلاء الأسعار لأنه آخر السلسلة الشرائية، فتصل إليه السلعة بأضعاف ثمنها.
ورصد «الزينى»، كيفية تحكم التجار المحتكرين فى الأسعار، مضيفاً: «عندما ترتفع أسعار مواد البناء عالمياً، يبادر التجار مباشرة إلى رفع الأسعار، ويبررون ذلك بارتفاعها عالمياً، بل يتم رفعها مباشرة على السلع الموجودة فى المخازن أو السلع التى تم التعاقد عليها وشراؤها قبل موجة ارتفاع الأسعار وفى المقابل، وعندما تنخفض الأسعار لا تستجيب ولا تتأثر أسواقنا بذلك الانخفاض، ويبرر هؤلاء التجار بقاء الأسعار مرتفعة بأنهم يحتاجون لوقت لتصريف المخزون الذى تم شراؤه بأسعار مرتفعة، وأنهم يحتاجون من أربعة إلى ستة أشهر لتصريفه».
من جهته، قال سامح زكى، نائب رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية للقاهرة، إن ارتفاع الأسعار فى السوق المحلية يوحى بأن هناك تكتلات وتحالفات تتحكم فى تلك الأسعار، مما يجعلها لا تتجاوب مع أسعار الغذاء العالمية فى الانخفاض، وهذه التكتلات تحتاج إلى حلحلتها وتشتيتها حتى تباع السلع بأسعار عادلة.
وأكد محمود العسقلانى، رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، أن الاحتكار وموجات الغلاء تسببت فى زيادة الأسعار بنسبة تتراوح بين 25 و30%، بما يمثل كارثة حقيقية، نظراً لأن المرتب لا يكفى ولا يتحمل أى زيادات فى الأسعار، مشيراً إلى أنه على الأجهزة الرقابية فى الدولة أن تتحرك لمواجهة جشع التجار، فيما اتهم أحمد شيحة رئيس شعبة المستوردين بالغرفة التجارية للقاهرة، بعض رجال الأعمال وكبار المنتجين باستغلال القرارات الوزارية التى تتخذها الحكومة، وغياب الرقابة الحكومية ليرفعوا الأسعار دون مبرر، لتحقيق مكاسب خيالية على حساب «الغلابة»، بطرح تسعيرة جديدة للسلع والمنتجات فى السوق بنحو 40%، ما أدى إلى احتكار السلع، مضيفاً: «أصبح المواطن بين رحى قبضتهم، ومهدداً دوماً بغول الأسعار، وللأسف القرارات الوزارية ساهمت فى ارتفاع أسعار السلع والمنتجات فى السوق بنحو 40%»، لافتاً إلى أنه فى حالة تمكن الدولة من السيطرة على الأسواق والقضاء على القرارات التى تخدم مجموعة من رجال الأعمال، سيسهم ذلك فى وجود أسعار عادلة للسلع والمنتجات فى الأسواق.
ويقول عبدالستار عشرة، المستشار الاقتصادى للغرف التجارية، إن الاحتكار يظهر جلياً فى السلع الاستراتيجية مثل الحديد الذى تسيطر 3 مصانع فقط على 90% منها، عز وبشاى والجارحى، كما تستحوذ شركتان فقط هما «لافارج» الفرنسية والمجموعة الإيطالية على نحو 65% من إجمالى إنتاج الأسمنت فى السوق المصرية، ويطلق عليها ما أسماه «اقتصاد الفساد» الذى يضرب الأسواق المحلية كما رصد الاحتكار فى القمح والألبان والسكر.
ولفت إلى أن آثاره السلبية على الاقتصاد المصرى تتمثل فى زيادة التهرب الضريبى، وهو ما يؤدى بدوره إلى زيادة عجز الموازنة، وارتفاع تكلفة الخدمات بنسبة 30%، وإلى 10% نتيجة التكاليف الإضافية الناتجة عن ممارسات الفساد وذكر أن تلك الممارسات غير الشريفة فى الأسواق هى أصل مرض الاقتصاد المصرى، وتتم معالجتها بشكل مؤقت فى الأزمات ولكنها تعود من جديد، ولكن المرض لا يزال موجوداً، ولو نظرنا للوضع الحالى سنجد أنه هو الأسوأ بالنسبة للاقتصاد المصرى، نتيجة غياب الرقابة والقوانين الرادعة لهؤلاء المحتكرين، وأشار إلى أن ذلك تنعكس آثاره على زيادة البطالة وارتفاع نسبة الفقر، وتدنى مستوى المعيشة، وتدنى مستوى الإنتاجية، وتراجع النقد الأجنبى وزيادة العجز فى الموازنة العامة للدولة.
ويرى يحيى زنانيرى، نائب رئيس الشعبة العامة للملابس الجاهزة، أن ظاهرة التهريب وتقليد العلامات التجارية تنتشر فى الأسواق وتتطور وتتنامى بشكل كبير فى الأسواق المحلية، حيث أدى تطور وانتشار الماركات العالمية إلى منافسة كبيرة من الشركات المنتجة، فيقوم بعض ضعفاء النفوس باستخدام أسماء وماركات عالمية.
وتابع: «نسبة تهريب الملابس تجاوزت 40% من حجم المعروض فى السوق المحلية، فضلاً عن تسهيل دخول البضائع عبر المنافذ والموانئ بعد أن تسببت التعقيدات الجمركية فى لجوء المستوردين لاستخدام الحيل المتعددة للتهريب وتحسين السعر وضرب الفواتير»، وقال إن الحل الوحيد للحد من التهريب لا يتحقق إلا بتقليص الفجوة بين سعر تكلفة السلعة المهربة والسلع المحلية، مع إلغاء الأعباء التى يتحملها المنتج المحلى من ضرائب وجمارك ورسوم ومبالغ غير مقبولة فى أسعار الخامات. وركز محمد أبوالقاسم، رئيس الغرفة التجارية لأسوان، على مشكلة تقليد العلامات التجارية، وقال إنها وصلت لمستوى من الاحترافية يتعذر معه معرفة الأصلى من التقليدى للمستهلك العادى، ولفت إلى أن غياب الرقابة على المنافذ الجمركية المختلفة أدى لزيادة عمليات التهريب الجمركى، خاصة فى السجائر والمعسل، حيث قامت الصين على سبيل المثال بتصنيع سيجارة مشابهة للكليوباترا والسوبر والمعسل السلوم طبق الأصل ولا يستطيع أحد أن يفرق بينهما.
وقال إن على الحكومة دورا ومسئولية تجاه المواطن فيما يتعلق بالتوعية والرقابة على التجار، مؤكداً الحاجة لسياسات واضحة واستقرار مالى لتجنب الركود الذى يؤثر على التاجر بشكل كبير.
وأشار إلى أن هذه الأمور ساهمت فى زيادة حجم التجارة العشوائية بنحو 21 مليار جنيه، مضيفاً أن حجم صناعة بير السلم يقدر بنحو 70 مليار جنيه، وأضاف أن 4 ملايين تاجر يعملون فى قطاع التجارة الرسمى، وجميعهم برىء من ارتفاعات الأسعار.