بروفايل| الشيخ محمد رفعت.. قيثارة السماء
الشيخ محمد رفعت
يُغيِّب العقول بصوته، وتخشع القلوب المستمعة لنبرات صوته الذي يشبه "الكروان"، وهو يتلو آيات الله، كـ"قيثارة السماء" التي أهداها الله لعباده ليتدبروا الآيات، ليغرد محمد رفعت منفردا بصوته العذب في سماء مقرئي القرآن.
الشيخ محمد رفعت، مات يوم وُلد في 9 مايو، بفارق 68 عاما، كان من أول مَن أنشأ مدرسة للتجويد الفرقاني في مصر، واتسمت طريقته بتجسيد المعاني الظاهرة للقرآن الكريم، وإمكانية تجلي بواطن الأمور للمتفهم المستمع بكل جوارحه لا بأذنه فقط، والتأثر والتأثير في غيره بالرسالة التي نزلت على رسول الله، فكان يبدأ بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، والبسملة والترتيل بهدوء وترو، وبعدها يعلو صوته، الذي ينطلق منخفضا في البداية، ويصبح بعد وقت ليس بالطويل غالبا "عاليا" لكن "رشيدا"، يمس القلب ويتملكه ويسرد الآيات بسلاسة وحرص منه واستشعار لآيات الذكر الحكيم.
فقد رفعت بصره صغيرًا وهو في عامه الثاني، فأصيب بالعمى نتيجة مرض أصاب عينيه، وحفظ القرآن في سن الخامسة، والتحق بكتاب مسجد فاضل باشا بدرب الجماميز في السيدة زينب، ودرس علم القراءات وعلم التفسير ثم المقامات الموسيقية على أيدى شيوخ عصره.
توفى محمود رفعت، والد محمد رفعت، الذي كان يعمل مأمورا بقسم شرطة الخليفة وهو في التاسعة من عمره، ووجد الطفل اليتيم نفسه مسؤولا عن أسرته وأصبح عائلها الوحيد، فلجأ إلى القرآن يعتصم به ولا يرتزق منه، وتولى القراءة بمسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب في العام 1918، وهو في سن الخامسة عشرة، فبلغ شهرة ونال محبة الناس.
افتتح بث الإذاعة المصرية في العام 1934، وذلك بعد أن استفتى شيخ الأزهر محمد الأحمدي الظواهري عن جواز إذاعة القرآن الكريم فأفتى له بجواز ذلك، فافتتحها بقول من أول سورة الفتح "إنا فتحنا لك فتحا مبينا"، ولما سمعت الإذاعة البريطانية "بي بي سي عربية" صوته، أرسلت إليه وطلبت منه تسجيل القرآن، فرفض ظنا منه أنه حرام لأنهم غير مسلمين، فاستفتى الإمام المراغي، وشرح له الأمر وأخبره بأنه غير حرام، فسجل لهم سورة مريم.
أصيب الشيخ محمد رفعت في العام 1943 بمرض سرطان الحنجرة، الذي كان معروفا وقتئذ بمرض "الزغطة"، وتوقف عن القراءة، ورغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج، إلا أنه اعتذر عن قبول أي مدد أو عون ألح به عليه ملوك ورؤساء العالم الإسلامي، وكانت كلمته المشهورة "قارئ القرآن لا يهان".