قرار الطعن على حكم القضاء الإدارى يإيقاف انتخابات مجلس النواب اتخذه مكتب إرشاد الجماعة بصورة كاملة ومستقلة تماماً عن مؤسسة الرئاسة، ليعكس حالة القلق والتوتر التى تعيشها الجماعة هذه الأيام. والسر فى ذلك يرتبط بتآكل شعبية الإسلاميين عموماً، والإخوان على وجه الخصوص، خلال الأشهر التى تلت صعود رئيس منهم إلى سدة الحكم. وقد أصبحت المؤشرات الدالة على ذلك بادية لكل عين، حتى ولو كانت كليلة. وإلا فبماذا نفسّر حصد التيارات المنافسة لجماعة الإخوان النسبة الأكبر من مقاعد اتحاد الطلاب الجامعات، وكيف نفهم الاحتجاجات الفئوية والعمالية المتصاعدة، إلا فى إطار تراجع جماهيرية الجماعة، وأنها أصبحت عاجزة عن السيطرة على معاقلها الشعبية التقليدية، المتمثلة فى الجامعات والنقابات.
إذن الإخوان فى مأزق قد يجعل فكرة «المقايضة» قريبة من قياداتها.. وموضوع المقايضة هو الرئيس نفسه. فقد أدركت الجماعة بعد ما يزيد على ثمانية شهور من السيطرة على السلطة التنفيذية بجناحيها الرئاسى والوزارى أن من حرمها من وصول «المهندس خيرت الشاطر» -رسمياً- إلى قصر الاتحادية، ودفعها إلى الاعتماد على «مرسى» فى انتخابات الرئاسة، قد أضر بها أشد الضرر، ويكاد يكون قد أخذ بيد الجماعة إلى أعلى دور من أدوار السلطة، ليلقى بها من أعلى حتى تسقط على الأرض مهدمة مهشمة «مش حاطّة منطق»!
فيوم 30 يونيو 2012 لم تتسلم الجماعة السلطة بل تسلمت الشعب «الفاكك»، الذى لم يعد بالإمكان السيطرة عليه بسهولة، ويعلو صوته بالمطالبة بحل مشاكله، وتحقيق وعود النهضة التى أمطرته بها. فقد عاش هذا الشعب ستين عاماً يعانى الفقر والقهر، وانعدام الكرامة، والإقصاء والتهميش، فأنشأ يبحث عن تحقيق أحلامه، بعد نجاحه فى الإطاحة برأس السلطة. والمضحك فى الأمر أن تفكير الجماعة وهى تتسلم السلطة لم يكن يزيد كثيراً على تفكير الشعب، فأمام حالة الضعف ومحدودية القدرة على إدارة البلاد، كان قيادات الجماعة وأعضاؤها شديدى السعار فى الحصول على «العوض» عن سنين المطاردة والملاحقة الأمنية، والرمى فى السجون، والتعليق على أعواد المشانق.
وضح منذ البداية أن الإخوان تفكر -وهى فى مقعد السلطة- بنفس منطق الشعب، فبدأ كل عضو فيها يبحث عن مكسب أو مغنم أو كرسى يسترخى عليه. وكانت النتيجة أن الشعب أدرك بعد أسابيع قليلة من حكم «مرسى» أن الجماعة لا تملك حلولاً لمشاكله، وإنما يجتهد أبناؤها فى علاج عقدهم التاريخية وأوجاعهم النفسية وحرمانهم السياسى، ناسين أنهم أصبحوا رجال دولة، ومسئولين عن شعب، لذلك فقد نفض الشعب يديه منهم، انطلاقاً من أنهم لا يصلحون، فى حين كان الإخوان يدركون أن سر «العلة» فى عجزهم يرتبط بغياب رجلهم القوى صاحب الهيبة «خيرت الشاطر» عن الوجود الرسمى فى «الاتحادية»!