"خوف ولوم ثم موت".. زواج القاصرات في جلسة تصويرية
نظرات زائغة بلهاء تتفقد أروقة الغرفة التي مهما رحبت جدرانها فهي تضيق بها، تليها نظرة خوف من مجهول متهالك، يقف أمامها رافعًا راية الحرب على طفولة لم تنضج بعد، ليعلن مجيء وقت قطافها. تبتعد خصلات شعرها عن بعضها فتتناثر في شكل همجي بعد أن خرجت لتوها دون استعداد مسبق من حبكة الضفيرتين اللاتي اعتادتا ضمهما لسنوات تخطت لتوها أصابع اليدين، فتلوم عينيّ الصغيرة مَن ألقوا بها لمصير كله أذى فتك بسنواتها حتى أردوها قتيلة تحمل ما لا يطيقه عمرها، تلك اللوحة الفنية جسدها المصور الفوتوجرافي جهاد سعد، ليعبر عن حال القاصرات اللائي تحكم عليهن أسرهن بالزواج المبكر.
فكرة زواج القاصرات تداولت كتابةً وصاحت ألسن العاملين بمجال حقوق الإنسان، إلا أن للصورة بريقها الخاص وزاويتها المعبرة التي تختصر كلمات عدة قد تفرد وتعبر عنها صورة واحدة، لذا عمد جهاد "روبابيكيا" على البحث عن فتاة بعمر السابعة عشر عامًا ولم يحاول إيجاد فتاة دون ذلك العمر، حتى لا تتأثر نفسيًا، إلى جانب عدم استيعابها لمتطلبات وتعبيرات تصوير ذلك الواقع، بعد أن قرأ عنه الكثير ليصل الصورة بعمقها الفعلي.
"قلم روج وكحل".. أداتين اعتمدا عليهم "روبابيكيا" في التصوير فقط، إلى جانب "طرحة" من "التول" وفستان أبيض بسيط، ليواكب الصورة الواقعية خاصة، موضحًا، في حديثه لـ"الوطن"، أن أغلب الأسر التي تُقدم على ذلك الفعل فقيرة وقد تكون مُعدمة وبمناطق نائية في كثير من الأحيان لذا لا يملكن سوى أدوات التجميل الاعتيادية والبسيطة والرخيصة لتزيين صغيرتهم التي يقتادونها لرجل عجوز يتزوجها وأشار له المصور في جلسة التصوير بـ"العكاز".
لم يستعن جهاد بخبير تجميل لإكمال رؤيته الفنية للحالة، ليكتمل المشهد بصنع ضفيرتين للفتاة ليعبرا عن براءتها وصغر سنها، عامدًا على أن توصل تعبيرات جسد الفتاة خاصة وجهها كل مشاعر اللوم والعتاب للمجتمع وأسرتها، متعمدًا ألّا يظهر "الرجل" في المشهد وتوصل الفتاة تعابيرها ورسالتها مباشرة إلى الكاميرا لتكون أشد في وقعها لمن يشاهدها دون أن يجذبه غيرها في المشهد العام.