مفارخ الإرهاب.. القتل باسم الله
مفارخ الإرهاب.. القتل باسم الله
غابت عقولهم على طاولة التسبيح وبعض الكتب الرثة، التى غطى الغبار عناوينها، تيقنوا أنهم ملكوا الحقيقة المطلقة فأصبحوا وكلاء الله على الأرض، سيفه الذى يبتر الرقاب، ويده التى تبطش بالظالمين، خلطوا المقدس بالمدنس، بسفسطائية مفضوحة، ينتقون من الدين ما يتماشى مع نهمهم للدم وتعطشهم للقتل، يعيدون كتابته بتراتبية محكمة لتصقل الكلمات أذهاناً يائسة فشلت فى الاندماج مع محيطها المجتمعى، فلم تجد أمامها بُداً سوى اللجوء إلى ما وراء الحياة، قانعين بتجارتهم مع الله.. تجارة الدم.
تشابهت النماذج الإرهابية التى رصدتها «الوطن»، فى تحقيقها الموسع حول مفارخ الإرهاب، جمعتهم مشتركات عدة تمثلت فى البيئة الحاضنة التى تتوفر فيها خصائص بعينها مثلت عاملاً رئيسياً فى صناعة التطرف واعتناق التشدد، كان أبرزها الفقر والحالة النفسية للفرد، مشروع الإرهابى، فتلازم العاملين أنتج مواطناً محبطاً يبحث عن نفسه فى أى مجال، وحينما يفشل يجنح إلى مسايرة الحياة مكتئباً، لا يتلذذ بما فيها من الطيبات، نظراً لأسباب عديدة، أهمها غياب دور الدولة عن رعاية الشباب والعمل على تحقيق ولو جزءاً بسيطاً من طموحاتهم، فعادة ما يبدأ الشباب حياتهم بالبحث عن الذات، سواء فى عمل أو مشروع ما، أو حتى أسلوب فريد يميزهم، ونظراً لتحول القيم نحو الفردية والتنافس غير الشريف، علاوة على تجبر القوى على الضعيف، وإعلاء قيمة المال والسطوة والنفوذ، بحث اليائسون عن كيان جامع، موازٍ للدولة، يوفر لهم الأمان، ويقيهم شر المتجبرين، بعد غياب المؤسسات السياسية ومن بينها الأحزاب التى من الممكن أن تمثل حاضنة جيدة، إلا أن واقعها المزرى تسبب فى نفورهم.
نصبوا أنفسهم «وكلاء الله على الأرض».. وخلطوا «المقدس» بـ«المدنس» ليشبعوا رغبتهم فى سفك الدماء
لم تقتصر عوامل التحول إلى فكر الإرهاب على البيئة الحاضنة، فالعامل النفسى له دور مهم فى صناعة الانتحاريين، ودائماً ما كان سبباً رئيسياً فى التمهيد لبرمجة العقول اليائسة التى تخطت مرحلة الحياة باحثة عن عالم جديد، بصدمة العقل اليائس، استغل المتطرفون يأس الشباب، حاولوا إقناعهم بأن معاناتهم فى الحياة سببها النفس البشرية الواهنة، التى يجب أن تتحصن بالقرب من الله، زادوهم بؤساً ويأساً بخطابات الكراهية والترهيب، شكلوا فى عقولهم ديناً جديداً، يبيعون فيه الدنيا مقابل الآخرة، وهنا تحديداً يتوقف العقل عن التفكير، ليكون جاهزاً لحشر الأفكار المسمومة، على رأسها اليقين التكفيرى.
وفقاً للنماذج التى ضمها ملف «الوطن»، لم تكن المدرسة أو الجامعة حاضنة مقنعة لتطلعاتهم، تساوت مع بيئة النشأة التى عجزت عن توفير الأمان للعناصر التى ملكت استعداداً للتطرف، لتبدأ رحلة البحث عن كيان كبير يفهم تطلعاتهم ويحتويها ويحقق مبتغاهم، فمنهم من كان فى حاجة إلى المال ومنهم من احتاج العزوة، فالإرهابى حبارة وجد فى السلفيين سنداً له حينما تجبر جاره على والدته، حيث مثل مشهد رفاقه السلفيين وهم يفتكون بهذا الجار ضرباً وركلاً، مصدراً للعزة والفخر بانتمائه لهذا التنظيم الذى لم يتوان عن مؤازرته ومساندته لمواجهة سطوة جيرانه، كما كانت سادية الشحات إرهابى الشرقية نابعة من تعرضه للقهر فى أسرة فقيرة، تعيش وسط عائلات تملك المال والنفوذ، فوجد فى الجماعة الإسلامية ما يشبع رغباته الصدامية ليمتع نفسه بالعنف ولون الدم، كما احتوت جماعة الإخوان مظلومية مفجر كنيسة البطرسية الذى ولد فى بيئة مفككة، ربها سيئ السمعة، تجد ما تقتات به يوماً وتجوع أياماً أُخر، فكفلته الجماعة وحققت حلمه فى الالتحاق بالجامعة، وفى أولى سنواتها رحل الإخوان عن الحكم ليجد نفسه فى مربع الحاجة من جديد، فكان اليأس دافعاً للانتقام من المجتمع، قانعاً بكلمات قائده التى أشبعت رغبته اليائسة فى التخلص من حياته بحثاً عن مجتمع جديد ما بعد الموت.
هناك من بين الإرهابيين من ليس فى حاجة إلى المال أو الجاه أو العزوة، وهذا النموذج جسده عاصم عبدالماجد وأسامة بن لادن وأيمن الظواهرى، فهم أبناء عائلات حصلوا على قدر كبير من التعليم، ونعموا برغد العيش، ورغم ذلك انحرفوا عن مسلك الحق، كان دافعهم الرئيسى إلى اعتناق الفكر المتطرف هو البحث عن الزعامة، وما أجملها تلك الزعامة حينما تجعل منك وكيلاً لله على أرضه، فشخصياتهم المتمردة أبت أن تجعلهم يستكينون إلى حياة رتيبة تقليدية مثلهم مثل باقى رفقائهم، فوجدوا فى تلك الكيانات ما يحقق ذاتهم وطموحاتهم، دينياً ودنيوياً، فأحدهم صار قائداً للجماعة الإسلامية والثانى صار زعيماً للقاعدة والأخير ورث القيادة عن الثرى السعودى.
إذن تتباين الدوافع ما بين القاعدة المكونة لتلك الجماعات الإرهابية وبين الرؤوس القائدة، التى تستقطب ما دونها من مختلف الطبقات لتضمن الريادة واستمرار وجودها فى مواقع القيادة، وينحصر هذا التباين فى نموذجين، مواطن يبحث عن كيان يحميه ويحقق ذاته من خلاله، بعد أن فشل فى مسايرة المجتمع وتحقيق طموحاته لأسباب متعددة ومتداخلة ترتبط بعوامل سيكولوجية، ومتمردون يبحثون عن زعامة لم تتحقق فى مسيرتهم المهنية أو المجتمعية، فدائماً ما كانت تولى جماعة الإخوان المسلمين الأطباء والمهندسين وكبار رجالات العائلات أدواراً قيادية، فيما تمثل الطبقات الأخرى حطب الجماعة ووقودها فى إدارة معاركها سواء مع الدولة أو المجتمع، وبعد ثورة 30 يونيو تحول هؤلاء الشباب إلى إرهابيين سواء كان الأمر بتخطيط من الجماعة أو كان بدافع شخصى من العضو الذى شعر بمصاب جلل بعد فقده الكيان الاجتماعى الذى كان يحتويه.