بنات ينافسن الرجال فى الرماية بـ«الرصاص»: قلب أسد
هبة الله محمد تمارس رياضة الرماية
فى مساحة واسعة، مثبت بآخرها هدف تقتنصه الأعين من خلال مسدس أو بندقية تزيد أوزانهما على الـ5 كيلوجرامات، يقفن بثبات وتركيز يزداد مع مرور كل ثانية وتضيق حدقة أعينهن التى ما إن يقررن الضغط على الزناد فتعود لوضعها، بينما تصل الطلقة إلى مبتغاها محدثة صوتاً مدوياً، داخل الميدان الذى يقضين فيه ساعات طويلة لممارسة رياضتهن المفضلة التى برزن فيها وسجلن أسماءهن فى كشوف البطولات، رغم أن البعض يعتبرها مقترنة فقط بالرجال لخطورتها وصعوبتها، فى حين أن للرماية سيداتها البارعات بشهادة المسابقات العالمية.
«شيماء»: البندقية وزنها 5 كيلو وقدرت أكون الأولى.. و«وعد» تعلمتها هرباً من ضغوط الامتحانات.. و«هبة الله» انضمت لها بتشجيع من أبيها
وثقت المسابقات اسم «شيماء حشاد»، كواحدة من اللاعبات البارزات فى مجال الرماية بالبندقية للرصاص وضغط الهواء، حيث يحفل تاريخها بالعديد من الميداليات، منذ عام 2003 الذى قررت فيه الانضمام لتلك الرياضة التى استهوتها بشدة، متجاهلة استنكارات أهلها وأصدقائها للعبة باعتبارها «خطيرة وصعبة وعنيفة ومش مناسبة للبنات، وإزاى هتشيلى سلاح»، ومن ثم أثبتت نجاحها بانضمامها لنادى طلائع الجيش بعد مدة وجيزة، ثم منتخب مصر للرماية وخوض المسابقات.
تحتاج الرماية إلى توازن وثبات وتركيز وهنا تكمن الصعوبة، فى رأى شيماء، فضلاً عن ثقل البندقية التى تزيد على 5 كيلوجرامات. فحصدت المركز الأول والميدالية الذهبية فى منافسات البندقية 10 أمتار «ضغط هواء»، لمرات عدة، آخرها بالبطولة الدولية للرماية فى هولندا، والمركز الـ27 فى أولمبياد ريو 2016.
وفى عام 2012 قررت الشابة الثلاثينية الانتقال لممارسة الرماية بالرصاص الحى، التى يبعد عنها الهدف مسافة 50 متراً، وتتطلب اتخاذ أوضاع مختلفة عن ضغط الهواء، وهى «راقد، ومرتكز، وواقف»، وانضمت لمنتخب مصر وحصدت العديد من البطولات المحلية، والمركز الأول فى البطولة الأفريقية لعام 2014، لافتة إلى أن القوانين أصبحت أكثر صعوبة بالرماية، حيث قلصت وقت المباريات من 75 إلى 50 دقيقة، وتحديد الطلقة بالدقة وليس عددها.
وتقول شيماء إن أغلب المشاركات باللعبة متزوجات وأمهات، وهو ما يطيح بنظرية «دى لعبة عنيفة وخطيرة متقدرش عليها البنات» بعرض الحائط، وشاركتها فى الرأى باكينام طارق، 22 عاماً، التى تلعب الرماية بالبندقية «ضغط هواء»، منذ 6 أعوام، لممارسة شقيقتها الكبرى لها، حيث تعجب أصدقاؤها بشدة، معتقدين عدم إتاحتها للفتيات بتعليقات عدة، مضيفة: «كلمة بلعب بندقية بتخض، وكمان بيقولولى انت رفيعة قوى إزاى هتلعبيها»، وهو ما تكرر مع معلميها بالجامعة نظراً لتغيبها عن المحاضرات، لانشغالها بتمرينات المنتخب.
كونها تستخدم يدها اليسرى كان العائق أمامها للعب الرماية، فلم تكن متوافرة حينها مسدسات ذات مقابض يسرى فى نادى الصيد، ولكنها وجدت بندقية يسرى وحيدة، وبالفعل بدأت فى تعلم أسسها، لتفاجأ بقول مدربها إنها غير صالحة لتلك الرياضة، وهو ما أثار بداخلها مشاعر التحدى لتتلقى تمرينات مكثفة طوال شهرين وتتمكن من الانضمام للمنتخب بعد شهر واحد وتحصد 3 ميداليات فى مباريات فردية، ومع دخولها الجامعة تمكّنت من المنافسة فى صفوف المنتخب المصرى المكوّن من 5 لاعبين فقط، وفازت بالمركز الرابع فى البطولة العربية بنفس العام، وحصدت أكثر من 25 ميدالية حتى الآن، وتطمح للمشاركة بالأولمبياد المقبلة وأن تصبح مدربة، لاقتصار التدريب حالياً على الرجال.
وانضمت وعد طاهر، 20 عاماً، إلى الرماية بالبندقة «ضغط هواء»، على سبيل الترفيه، لزيادة الضغوط عليها فى مرحلة الثانوية العامة، مع رغبتها فى تعلم سبل الدفاع عن نفسها مع أحداث ثورتى 25 يناير و30 يونيو، ومع تلقيها التدريبات 3 أيام أسبوعياً، وسرعان ما أحبتها بشدة، وانضمت لفريق نادى الصيد وحصدت العديد من الجوائز بالمسابقات المحلية.
«أوقات كثيرة أتخيل الشخص اللى مضايقنى قدامى وأصوّب عليه البندقية».. هكذا كانت تجد الطالبة بكلية السياحة والفنادق سبيلها فى التركيز خلال المباريات التى تحتاج إلى التركيز، قائلة إن العديد من أصدقائها بالجامعة يعتبرون رياضتها «رجالية»، وهو ما يرجع لقلة الاهتمام والوعى بالرماية.
عمل والدهما كضابط بالشرطة، وممارسة شقيقهما لها، شجع الشقيقتين هبة الله وندى محمد، على ممارسة الرماية ببندقية «ضغط هواء»، منذ ما يقرب من عام، حتى صارتا تستغنيان عن بعض المحاضرات فى سبيل ممارسة رياضتهما، رغم ما تعانيه هبة الله، من مشاكل فى التنفس والثبات، إلا أن حبها للرماية جعلها قادرة على تنظيمه خلال عدد من التمرينات.
فى الوقت الذى تقف فيه العديد من الفتيات داخل الميدان مرتديات بذلات الرماية المعروفة، جاورتهن سيدة أربعينية تظنها من الوهلة الأولى والدة إحداهن، إلا أنها كانت تعدل من وضع قفازاتها استعداداً لمنافستهن، فلم يمنعها كبر سنها من ممارسة الرماية، حيث شاركت فيها منذ 6 أعوام، حينما كانت تبلغ من العمر 41 عاماً.
«كنت باجى مع أولادى الاتنين وقت لعبهم للرماية فى النادى»، وفى مرة وأنا مستنياهم المدرب قالى ليه مش بتلعبى انت كمان».. فتح المدرب الطريق لعبير حسن لدخول عالم الرماية، مؤكداً أن الأمر لا يشترط السن وأنه بإمكانها الانضمام لفريق السيدات، وهو ما شجعها عليه زوجها وأطفالها، وفازت بميداليات محلية، رغم معاناتها من عدم تكافؤ الفرص بفرق السيدات لصغر سن الفتيات.
«أول مرة أمسك فيها المسدس كان عندى 13 سنة، ومع أول طلقة رميته من شدة الصوت»، لم تتمكن رشيدة يحيى، 20 عاماً، من محو ذلك الموقف من ذاكرتها، فعلى خلافهن تمارس الرماية بالمسدس «ضغط هواء»، الذى شجعتها عليه صديقة والدتها التى كانت تعمل مدربة بالنادى، وعلمتها فنون الرياضة، لتنضم لفريق النادى منذ صغرها، وانضمت لمنتخب مصر وحصلت على المركز الرابع بالبطولة العربية لعام 2014، والخامس فى بطولة أفريقيا 2015، والأول فى البطولة العربية 2016.
أثرت الرماية فى حياة الشابة العشرينية، فتدخر النقود بين الحين والآخر لشراء إكسسوارات جديدة لمسدسها، كما كانت سبباً لدخولها كلية الهندسة لحصولها على درجات التفوق الرياضى، وأثرت على سلوكها الشخصى من الصبر والحكمة، ولذلك تسعى لتعلم الرماية بالرصاص، وهو ما سيجعلها تنتقل إلى نوادى القوات المسلحة التى تتوافر بها الأسلحة والذخيرة، التى أصبحت قاصرة على تلك الرياضة بعد الثورات المصرية، ولصعوبة نقل المعدات إلى النوادى، فضلاً عن الموافقات الأمنية واستخراج رخصة للأسلحة، وأن يتكفل اللاعب بالنقود من الألف إلى الياء، على حد قول العقيد إسماعيل فهمى، المدير الفنى والإدارى للرماية بالمسدس والبندقية، بنادى الصيد.
وأضاف فهمى أن الرماية تختلف بشدة عن غيرها، حيث إنها الرياضة الوحيدة التى يكون بها «الخصم والصديق والمدرب» داخل اللاعب نفسه، لأنها تعتمد على محاربة النفس والعقل الباطن الذى يحوى المعلومات، وتحتاج للثبات الانفعالى والصفاء الذهنى. أساسيات التدريب على الرماية هى النظر عبر «لاشنكات» المسدس وليس الهدف البعيد عنه 10 أمتار ويختلف قطره بالنسبة للمسدس عن البندقية، والوقوف بنسبة 45 درجة للحارة، طبقاً لزمن محدد، والإمساك بقبضته، مؤكداً أن السيدات هن الأفضل فى الرماية، لكونهن يمتلكن ثباتاً انفعالياً وصبراً أكثر من الرجال.