أهالى «حى الضواحى»: «عايشين فى قبور.. ومياه المجارى فى الشقق هتخلص علينا»
مياه المجارى تغرق منطقتى فاطمة الزهراء والسيدة خديجة بمحافظة بورسعيد
مبانٍ متهالكة، كست مياه الصرف الصحى جدرانها، بداية من الجدار الموجود فى الطابق الأراضى، ووصولاً إلى آخر جدار فى الطابق الخامس، نباتات بلون أخضر جميل تنمو فى هدوء على مواسير الصرف فى «حى الضواحى» فى منطقتى «السيدة خديجة» و«فاطمة الزهراء» بمحافظة بورسعيد، وحوائط الوحدات السكنية أصبحت مشبّعة بالمياه، من يسكن فى الدور الأول لا يستطيع النوم بسبب «تنقيط المياه من سقف شقته»، وهكذا حتى من يسكن فى الدور الرابع، وتسبّبت المياه التى جعلت المنطقة على وشك السقوط، فى إصابة عدد من السكان بصعقات كهربائية، نتيجة مرور المياه فى مواسير أسلاك الكهرباء، لدرجة أن مفاتيحها فى بعض الأحيان تخرج منها مياه المجارى. «كريم سيد» شاب ثلاثينى يسكن فى منطقة فاطمة الزهراء، يشكو تساقط مياه المجارى من سقف شقته، قائلاً: «مياه المجارى بتنزل علينا من السقف، وريحة الشقق لا تُطاق، إحنا هنا عايشين فى قبور، مش فى مساكن، ومفيش حد بيسأل عننا، مواسير المجارى كلها متكسرة، والمياه بتتصرف فى السقف، لدرجة أن سلم العمارة اللى بنطلع عليه بقى كله ميه، مانعرفش الميه دى بتيجى من أى مكان، حاولنا نحلها بس للأسف كل اللى ييجى يشوف الشقق يقول لازم كل المواسير دى تتغير».
كريم سيد: «المسئولين خلوا الرئيس يمشى فى المناطق الكويسة.. وماخلهوش ييجى فى المناطق الفقيرة»
ويتذكر «كريم» زيارة الرئيس السيسى إلى مدينة بورسعيد، ويقول: «الرئيس السيسى جه عندنا وافتتح بعض المشروعات، لكن كان نفسى ييجى يشوف العيشة اللى احنا عايشينها، والشقق اللى هتقع علينا فى أى وقت، المسئولين مشّوا الرئيس فى المناطق الكويسة، وماخلهوش ييجى يمشى فى المناطق الفقيرة اللى هى فى أمس الحاجة إنه يشوفها».
بملابس متواضعة، وعيون حزينة، تقف الحاجة فريدة على، سيدة ستينية فى الشارع المجاور للعمارة التى تمتلك بها شقة، تشتكى خوفها من سقوط سقف شقتها على رأسها، من كثرة مياه المجارى المتساقطة من الشقة الموجودة فى الطابق الأعلى، وتقول: «أنا خايفة السقف يقع على راسى، الحديد اللى فى السقف باين، وماباعرفش أنام، مش لاقية مكان فى الشقة أقعد فيه، ولا أنام فيه من كتر ما الميه بتنزل من كل مكان فى السقف». وكانت الحاجة فريدة تعيش مع زوجها فى شقة كبيرة ونظيفة فى العمارة التى يمتلكها الزوج، لكنه توفى وتركها تعانى مع أبنائه من زوجة أخرى، بعدما طردوها من شقتها وأخذوا كل ما فيها، فجاءت العجوز إلى منطقة فاطمة الزهراء واستأجرت الشقة التى لا يطيق أحد العيش فيها، وتقول: «جوزى مات، وسابنى مع أولاده، طردونى من شقتى وأخدوا كل اللى معايا، وجيت عشت هنا، الشقة دى إيجارها رخيص شوية، هاعمل إيه، ماليش غير ربنا هو السند». وتتابع: «الناس اللى هنا كلهم غلابة، وكل واحد عايش على قد حالة، ورُحنا اشتكينا للمحافظة، لكن للأسف مفيش حد بيسأل عنا، لأننا غلابة قوى». وتقف حنان رمضان، سيدة ثلاثينية، فى منتصف مياه المجارى، تحمل فى يدها بعض مفاتيح الكهرباء من أجل إجراء بعض التغييرات فى شقتها، حيث قامت بشراء هذه الشقة منذ نحو 4 أشهر، لكنها لم تكن تعلم بما فيها من مشكلات، حيث قام البائع بالاتفاق مع السمسار بعمل بعض الترميمات للشقة، وطلاء جدرانها وسقفها، حتى لا تظهر مياه المجارى، التى تملأ كل شبر فى المكان، من أجل إتمام البيعة، واكتشفت «فاطمة» المصيبة بعدما قامت بشراء الشقة بشهر واحد فقط، حيث ظهرت كل العيوب. تقول: «الشقة دى اشتريناها من حوالى 4 شهور بس، وكانت نظيفة، والراجل اللى باعها لنا مظبط كل حاجة فيها، وخلصنا معاه، واستلمنا الشقة، وبعد شهر واحد بس لاقيت كل الدهان واقع، والشقة بتنزل ميه من كل حتة، والسقف بينقط، والميه بتنزل من مفاتيح الكهرباء، وأنا كنت هاموت وانا بانور الشقة، الكهربا مسكتنى، لولا ستر ربنا، وجوزى جرى قفل العداد». وتتابع: «لما رُحنا اشتكينا فى الحى، كل اللى عملوه جم فصلوا الميه عن العمارة كلها لمدة أسبوع، ولما الحوائط جفت رجّعوا الميه تانى، وكل ما نشتكى يعملوا معانا كده، شقا عمر جوزى حطناه فى شقة هتقع علينا، السباك قال لنا إن المفروض كل المواسير الموجودة فى العمارة تتغير، لكن إحنا ناس غلابة، وعلشان نغير المواسير دى لازم نكسّر الأرضيات والحمامات والمطابخ، وده هيكلفنا كتير قوى وأساساً مامعناش حاجة».
الحاجة فريدة: «مياه المجارى بتنزل علينا من كل حتة من السقف»
تمسك فى يدها طفلتها التى لم تتجاوز الـ5 سنوات، بينما تحمل على كتفها ابنها الرضيع، وتحاول جاهدة عدم السقوط فى مياه المجارى المتلاطمة، تتحسّس الخُطى، تنقل قدمها فى ثبات، تضعها على حجر فى وسط المياه، تنقل قدمها الأخرى على حجر آخر، تكتم أنفاسها، وفى النهاية تنجح «دهب عرفان» فى عبور بركة مياه المجارى التى تمر منها رغماً عنها، ومعها طفلاها. تقول «دهب»: «شقتى دور أرضى، والسقف مابيبطلش ينزل ميه خالص، لدرجة أن عيالى مابيعرفوش ياكلوا فى أى مكان فى الشقة، كل مرة أضع لهم الأكل ألاقى الميه نازلة من السقف فى قلب الطبق، لو دخلت شقتى هتلاقينى حاطة على كل سرير طبق بلاستيك كبير علشان الميه اللى بتنزل من السقف تتجمع فيه». وتتابع: «زوجى طلع لجارنا اللى ساكن فوق، وقال له إن الميه نازلة علينا، الراجل قال لزوجى تعالى شوف الميه نازلة علىّ برضه إزاى، وبعدين فيه حنفية بايظة عندى هاصلحها، لكن الميه برضه مابتقفش». وأضافت أن مياه المجارى لا تُهدد المنازل فقط، لكنها تملأ الشوارع أيضاً: «الميه مالية الشارع، وباخاف على أولادى ينزلوا يلعبوا فى الشارع، الميه كلها ملوثة، ومفيش حد بينظفها خالص، ولا بيحاول يحل المشكلة». كان موجوداً بالصدفة فى المنطقة التى زارتها «الوطن»، طارق جمال مسئول الصرف الصحى بمنطقة الزهراء والسيدة خديجة، حيث أكد «جمال»، أن المشكلة التى يعانى منها سكان المنطقة بسبب مواسير المياه الموجودة فى حوائط الشقق، لأن هذه المواسير تهشّمت، ويجب تغييرها.
وأضاف لـ«الوطن» أن شبكة الصرف الأرضية فى المنطقة تعمل بشكل ممتاز، وأن المياه الموجودة فى الشوارع ليست بسبب «الطفح»، وإنما هى «مياه مجارى» متساقطة من المواسير المتهالكة الممتدة بارتفاع العمارات، مطالباً السكان بتغييرها، مؤكداً أن هناك وجوداً مستمراً من مسئولى شبكة الصرف الصحى فى المنطقة، ولا تحدث مشاكل فى الشبكة الأرضية، لكن المواطنين هم من يقومون بإلقاء نفايات داخل المواسير، مما يتسبب فى كتمانها».