انفض فرح تسليم السلطة وأدى كل طرف دوره بالصورة التى تليق بزيجة «مباركة» لها طرفان ومأذون وشهود، وبعد «الفرح» -كما هو الحال فى المآتم- تذهب السكرة وتأتى الفكرة، تأتى التحديات والمسئوليات والواجبات، والويل كل الويل لمن لا يثبت كفاءته، كل الألسن ستطاله، وكل الأعين سوف «تبحلق» فيه، وكل الآذان سوف تنسد أمام صوته، بالمختصر المفيد سوف يصبح «ملطشة».
وقد قدم الرئيس الدكتور «محمد مرسى» أداءً متميزاً طيلة حلقات الفرح الذى امتد على مدار «ليلتين»، غازل آذان الشعب بكلمات أطربت أفراده وطيبت قلوبهم، أحس الكثيرون فى لهجته بقدر كبير من الإخلاص والثقة، انبهر المصريون وهم يرون المجلس العسكرى يعلن أن السلطة أصبحت سلطته والقرار قراره، فركوا «أعينهم» عدة مرات لكى يتأكدوا من أن ما تعرضه شاشات «التلفاز» نقل حقيقى للواقع وليس مشهدا من فيلم عربى، حين رأوا المشير محمد حسين طنطاوى والفريق سامى عنان يؤديان التحية العسكرية للرئيس «محمد مرسى»، ليسير بينهما بعد ذلك واثق الخطوة. كان مشهداً استثنائياً بكل المقاييس فى حياة المصريين بعد ستين عاماً من الحكم «الميرى»، لقد أراد المجلس العسكرى أن يبعث برسالة واضحة للرأى العام المصرى ملخصها أن «مرسى أصبح الكل فى الكل»، وبصراحة لا يستطيع أحد أن يحدد هل أخرج المجلس مشهد تسليم السلطة على هذا النحو اقتناعاً من أعضائه بانتهاء دورهم عند هذا الحد، أم أن الأمر لا يعدو «التوريطة»؟
يصح لأى عاقل أن يرفض حكاية «ورطة مرسى» تلك، فقد أصبح رئيساً رسمياً لمصر، ولا بد أن يواجه مسئولياته، ومهما قيل حول وجود صلاحيات معينة فى يد المجلس العسكرى - بحكم الإعلان الدستورى المكمل- فإن ذلك لا ينفى أن الجهاز التنفيذى بمجمله أصبح فى حوزة الدكتور مرسى، وقد أصبح مطلوباً منه أن يبادر بتشكيل حكومة قادرة على الفعل والمواجهة، وبعيداً عن سفسطة الحديث حول شكل الحكومة: «ائتلافية» أو «تكنوقراطية» أجد أن المرحلة الحالية تحتاج «حكومة مقاتلة»، فالرئيس يمثل «دائرة صغيرة» وسط «دائرة كبرى» جهنمية من الفلول الذين يشكلون «الجهاز العصبى» للدولة، هؤلاء هم من يتحكمون ويحتكرون «معايش» المصريين؛ ولأنهم تربوا فى «عشش الفساد» فإنهم يجتهدون فى جنى خير هذا البلد فى جيوبهم حتى ولو كان على حساب «اللقم» الصغيرة التى يقتات عليها المصريون، دائرة الفساد المتسعة فى أجهزة الدولة قد تكون أخطر فى مواجهتها من المجلس العسكرى، وإغراق الدكتور مرسى فى هذه الدائرة هو «الورطة» الحقيقية. الخوف أن تكون هذه «الدائرة الجهنمية» هى العروس التى أراد المجلس أن يزوجها للعريس أمس الأول، حين انطلقت الزغاريد واشتعل الفرح حتى انفض، وأصبحت العروسة للعريس والجرى للمتاعيس!