حرمان المرأة من الميراث فى الصعيد: «عادة» تتوارثها الأجيال
حرمان المرأة من الميراث فى الصعيد
لا تخلو قرية أو نجع فى كافة محافظات الصعيد بصفة عامة، ومحافظتى سوهاج وقنا بصفة خاصة، من حالات عديدة من النساء لم يحصلن على نصيبهن من الميراث، أغلبهن يفضلن الصمت بدلاً من الدخول فى منازعات مع أشقائهن، وفى النهاية يرتضى معظمهن بخسارة ما فرض الله لهن، وقليلات تلجأ إلى القضاء، ولكنهن فى الغالب يقضين سنوات بين أروقة المحاكم.
وفى أغلب الحالات، لا تفلح محاولات الوسطاء إلا نادراً، فى اقتطاع جزء يسير من «التركة»، التى يستولى عليها الذكور من شقيقاتهم، فيما يعرف باسم «الترضية»، بل وهناك حالات عديدة يكون سبب حجب الميراث عن المرأة فيها هو «الأب» نفسه، حيث يقوم بتسجيل ما يمتلكه من أراض وعقارات، باسم أبنائه الذكور، فيما يعرف باسم «التقريد»، حتى الزوجة، التى شاركته حياته، قد لا ينالها نصيب من التركة بعد وفاة الزوج.
وساعدت بعض قوانين «الإصلاح الزراعى» فى ارتكاب نفس الجرم، فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، فعندما كان يتم مصادرة الأراضى من الإقطاعيين وكبار الملاك، ومنحها للفلاحين من عامة الشعب، فكان يتم منح الأسرة قطعة أرض، يتم تسجيلها باسم الزوج والزوجة والأبناء الموجودين على قيد الحياة وقت التسجيل، ويتم حرمان كل من يولد بعد تلك الفترة، سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً من الميراث، وأصبح ميراثهم قاصراً على الأب والأم فقط، مثلهم مثل أشقائهم، الذين سجلت الدولة الأرض لهم.
عضو لجنة «مصالحات العسيرات»: إنهاء خصومات الثأر أسهل من المطالبة بميراث النساء.. ومعظم السيدات يلتزمن الصمت بدلاً من الدخول فى منازعات
وعن ظاهرة حرمان المرأة من الميراث فى محافظة سوهاج، قال «شريف أبورحاب»، عضو لجنة المصالحات بمركز العسيرات، إن «اللجنة يمكنها بكل سهولة، التوسط فى حل الخصومات الثأرية والخلافات بين العائلات، ولكن العقبة الكبرى التى يصعب حلها، هو كيفية إقناع الأشقاء بمنح شقيقاتهم حقهن الشرعى فى الميراث»، مؤكداً أن «هناك رفضاً تاماً فى قطاع عريض من مجتمع الصعيد، لمبدأ توريث البنات»، مشيراً إلى أنه فى بعض الحالات «يتم ترضيتهن بمبلغ مادى لا يسمن ولا يغنى من جوع»، بحسب وصفه.
واعتبر عضو لجنة المصالحات أن نسبة كبيرة ممن يرفضون توريث النساء، تكون ثقافتهم متدنية، ولم يحصلوا على قسط وافر من التعليم، لافتاً إلى أن هناك أيضاً فئة من بعض المتعلمين، الذين تشغلهم الدنيا، يرفضون منح شقيقاتهم نصيبهن من الميراث، ويكتفون بمنحهن مبلغاً مالياً على سبيل «الترضية»، وأكد أن «علاج تلك الظاهرة قد يحتاج لسنوات طويلة»، وطالب بضرورة تنظيم ندوات دينية للبسطاء فى القرى والنجوع، لتثقيفهم وتوعيتهم وتعريفهم بشرع الله تعالى، خاصةً فيما يتعلق بأحكام توزيع الميراث.
وأضاف «أبورحاب» أنه «على الرغم من أن القانون المدنى المصرى ينص على أن للمرأة الحق فى امتلاك ممتلكاتها وإرثها، واستخدامه بشكل مستقل على قدم المساواة مع الرجل، فإن العديد من النساء، لا سيما فى المناطق الريفية، محرومات من ميراثهن»، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة تنتشر بكثرة فى محافظتى سوهاج وقنا، وأوضح أن الظاهرة كانت ظاهرة للعلن قديماً، بسبب قلة عدد السكان، ووجود مساحات كبيرة من الأراضى فى حيازة العائلات، وكانت كل عائلة تريد أن تحتفظ بأرضها ولا يتم التفريط فيها بسهولة، ولكن بعد تفتت الملكيات، وتراجع مساحات الأراضى الزراعية، بدأت الخلافات بين الأشقاء والشقيقات تنتقل إلى العقارات والمحلات والأموال المنقولة، ورغم تعدد مسميات الخلاف، إلا أن «الخلاف على الميراث» يظل له مسمى واحد فقط، وهو «أكل حقوق الناس بالباطل»، على حد قوله.
ومن جانبه، أكد «علاء سعد»، محامٍ بالنقض، أن عدد قضايا المواريث المنظورة أمام المحاكم بمحافظة سوهاج، والتى تطالب فيها النساء بحقوقهن فى الميراث، ليست كثيرة، لأن أغلبية السيدات يفضلن السكوت، أو حل الخلافات ودياً، ونادراً ما يلجأن للمحاكم، لعدة اعتبارات، منها أنهن يراعين سمعة عائلاتهن، كما يعرفن أن المحكمة لن تفصل فى حقوقهن بين يوم وليلة، وأن الأمر قد يستغرق سنوات عديدة، وأضاف أنه «رغم قسوة كثير من الأشقاء على شقيقاتهم وجحودهم ونكران حقوقهن، إلا أن غالبية السيدات فى النهاية، يرتضين ما يمنحه أشقاؤهن لهن.
كما أشار «سعد» إلى أن الأشقاء الذكور عادةً ما تنشب بينهم خلافات على الميراث أيضاً، بعد الاستيلاء على حقوق شقيقاتهم، حيث إنه «فى بعض الحالات، نجد الشقيق الأكبر يريد أن يستحوذ على التركة، أو أن يكون له النصيب الأكبر منها، باعتبار أنه الأكبر سناً، وفى حالات أخرى تحدث جرائم قتل، ارتكبت بسبب الطمع وحب النفس»، موضحاً أن «ثقافة ظلم النساء» وعدم إعطائهن حقوقهن، أصبحت «عادة» تتوارثها الأجيال، ويصعب تغييرها، خاصةً فى مجتمعات الصعيد.