المدارس المجتمعية.. الحوائط من الطين والأسقف جريد.. والمبانى بلا مرافق
مدرسة الشروق والتفوق مبنية بالطوب اللبن
لافتتان صغيرتان وضعت إحداهما على الأخرى أعلى عمود إنارة، كتب على الأولى منهما «مدرسة التفوق»، ومن تحتها كانت اللافتة الأخرى أكبر منها بعض الشىء وكتب عليها بخط واضح «مدرسة الشروق»، وعلى اليمين من العمود كان ذلك السور القصير لمدرسة التفوق، انتصفته فتحة باب لم يوضع، وفى الداخل منه على اليسار دورة مياه صغيرة بجوارها حوض لمياه الشرب تهالكت مواسيره، وفى الجهة المقابلة كانت غرفة أخرى بنيت جدرانها من الطوب الطينى مغطى بسقف من الجريد والعروق الخشبية، وفى داخلها عدد قليل من مقاعد الطلاب البالية ارتكنت إلى حوائط اتسعت شقوقها.
«مدرسة العسيلية» محاطة بمياه الصرف الصحى.. والدواليب تعج بالثعابين والعقارب.. و «ماجدة»: «يوم ما اشتكينا قالوا لنا هاتوا عربية على حسابكم»
«إحنا والطلاب بتوعنا بنموت هنا».. جملة قالتها بنبرة غاضبة سهرة عبدالفتاح، المعلمة المسئولة عن مدرسة التفوق منذ إنشائها فى بداية التسعينات من القرن الماضى، حيث شهدت المعلمة الخمسينية تخريج 6 دفعات من هذا الفصل الصغير، لتشرح الفرق بين أول إنشاء هذا النوع من المدارس والآن، قائلة: «المشروع ده أول ما بدأ سنة 1994 كان فيه اهتمام بيه، وقتها كانت المدارس دى تابعة لليونيسيف وكان بيتعملها صيانة كل سنة رغم إن كل الأماكن اللى اتعملت للمدارس دى أغلبها تبرع، بس من ساعة ما اتنقلت تبعيتنا لوزارة التربية والتعليم وإحنا متبهدلين ومفيش أى اهتمام ولا أى صيانة».
حوائط مائلة اتسعت بها الشروخ وأسقف خشبية متهالكة تنذر بقرب وقوعها على من فى المكان، ورغم كثرة مناشدات «سهرة» لعدد كبير من المسئولين إلا أن شيئاً لم يتغير بعد: «لما ناشدت مدير المشروع قال لى تتحول لمجلس مدينة العرقى، ولما رُحت للمجلس قال لى أنا هعملك إيه، ووقتها لجنة جت بصت على المكان ومفيش أى حاجة حصلت»، لا تطمع معلمة المدرسة فى هدم المكان وبنائه من جديد، وإن كان هذا هو ما يجب أن يحدث، حسب قولها، إلا أن ترميم المدرسة قد يكون كافياً بالنسبة لها، لا سيما مع دخول العام الدراسى الجديد، إلا أن هذا لم يشفع للمسئولين أيضاً بالنظر إلى وضع المدرسة الحالى، حسب «سهرة».
«سهرة»: «من ساعة ما اتنقلت تبعيتنا لوزارة التربية والتعليم وإحنا متبهدلين وإحنا والطلبة بنموت هنا»
مسافة قصيرة تلك التى تفصل بين مدرستى التفوق والشروق، التى لم تكن بحال أفضل بكثير عن سابقتها، فرغم بنائها من الحجارة، ورغم أرضيتها التى تم تبليطها منذ فترة قليلة عن طريق التبرعات، إلا أن الأزمات لم تتركها وشأنها أيضاً، فهى الأخرى كانت مفتقرة إلى العديد من الخدمات المهمة التى غابت عنها شيئاً فشيئاً مع مرور الزمن، حتى صارت فى طى النسيان، حسب ما قالت إنعام أبوالمجد، المعلمة المسئولة عن المدرسة، بعد ما أوضحت أن المدرسة تستقبل هذا العام دفعة جديدة مكونة من 40 طالباً وطالبة، بعد تخريج دفعتها نهاية العام المنصرم، حيث تعمل هذه المدارس بنظام الدفعة الواحدة لمدة 6 سنوات: «بنحاول على قد ما نقدر نلم تبرعات من أهل الخير ونعمل بيها اللى إحنا محتاجينه فى المدرسة بس فيه حاجات بيبقى غصب عننا مابنعرفش نعملها، أولها إن حيطان المدرسة من تحت بدأت تبوش وخايفين لتقع علينا فى أى وقت».
سقف المدرسة تم عمله من الصاج، إلا أنه أيضاً لم يحم طلابه من الهواء الشديد الذى يرفعه من وقت لآخر عن الجدران، ما يسبب نوعاً من الرعب فى قلوب الطلاب، لا سيما الأطفال منهم: «الدفعة اللى عندى خلاص اتخرجت ودول كانوا كبار وهستقبل السنة دى دفعة جديدة وهيكونوا لسه صغيرين والموضوع ده هيكون صعب عليهم جداً».أزمات المدرسة لم تخف عن المسئولين عنها، ومن بينهم لجان التفتيش التى تتردد عليهم بين الحين والآخر: «لما موجه بيجى ونشتكى له يقول لنا الشروخ اللى فى الحيطان دى فرعية واتصرفوا انتم، وإحنا هنا معندناش إمكانيات إننا نهد ونبنى من أول وجديد، وآخر ما زهقت عملت الشروخ فى الحيطان بالأسمنت بس مش عامل حاجة». بعض نقود جمعتها «إنعام» هى وزميلتها فى نفس المدرسة من رواتبهما الشهرية على مدار الأعوام الماضية، حتى تتمكنا من ترميم ما فى الاستطاعة لهما بالمدرسة، حسب قولها، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لمعالجة كل ما تعانى منه المدرسة من أزمات: «فى الشتا الجو بيكون تلج ومفيش حاجة تحمينا من البرد، غير إن المدرسة هنا مفيهاش كهربا، وشغالة بالطاقة الشمسية اللى كان حد اتبرع بيها برضو، بس للأسف مبتكفيش حاجة، ومبتشغلش المروحة ساعة على بعضها، غير إنها فى الشتا مبتشتغلش خالص، رغم إن عمود الكهربا فى وش المدرسة على طول، ولو وصلنا منه سلك يتعملنا محضر».
وفى قرية الأشراف الغربية كان مشهد آخر، حيث تراكمت المياه الجوية ومياه الصرف فى مجرى كبير تم حفره حول أسوار مبنى صغير منخفض عما حوله من المبانى، كتب فوق بابه الصغير «مدرسة العسيلية للفصل الواحد»، إحدى المدارس المجتمعية بالمحافظة، وقد دلت رائحة المكان الكريهة من الخارج على الوضع الداخلى من المدرسة، حيث الحوائط المتآكلة، ودواليب خشبية تهالكت، ومعدات لم يعد بالإمكان استخدامها، وبين مقاعد الطلاب المتراكمة فوق بعضها البعض منتصف الفصل، وقفت الخمسينية ماجدة عبدالستار محمد، معلمة تكوين مهنى بالمدرسة، تحكى عن معاناتها والطلاب من هذه الأزمة السنوية: «الموضوع ده بيفضل معانا من شهر يوليو لحد شهر سبتمبر، ولما الميّه بتدخل علينا بنضطر نخرج من المدرسة وناخد الورق والحاجة معانا البيت عشان نكمل شغلنا هناك، ولو جالنا موجه مبيعرفش يدخل المدرسة، ونخرج له نقعد معاه على دكة عم يوسف جارنا لحد ما زيارته تخلص وبعد كده يمشى، وبيكتب إن المدرسة ممنوع حد يقعد فيها الوقت ده».
«إنعام»: «بنحاول على قد ما نقدر نلم تبرعات ونعمل بيها اللى إحنا محتاجينه فى المدرسة لأن الحيطان بدأت تبوش وخايفين لتقع علينا»
المياه الطافحة تخرج على مبنى المدرسة من دورات المياه ومن الأراضى المحيطة بها، وهو ما يجعل المدرسة محاصرة بشكل كامل من جميع الجهات، ما يعيق العملية التعليمية بصور كبيرة، فضلاً عن ما تسببه المياه من أضرار: «أساسات المبنى ودواليب معدات التدريب بتاعة الطلاب كلها باشت وأغلبية المعدات نفسها باظت من الميّه، لأن الدواليب بتكون مليانة طينة بعد ما الميّه تنشف منها».
بدأت «ماجدة» عملها فى مدرسة العسيلية منذ عام 1998، ومن يومها وهى تعانى من المشكلة ذاتها، حيث تظل المدرسة غارقة فى المياه لمدة 4 أشهر متواصلة على الأقل، بالإضافة إلى فترات متقطعة على مدار العام، ورغم تكرار الشكوى إلى المجلس القروى وإلى مجلس المدينة وجميع الموجهين المترددين على المدرسة طيلة العام، إلا أن المشكلة لم تحل بعد، حسب ما قالت «ماجدة»: «مفيش جهة سبناها إلا لما بلغناها وبرضو مفيش فايدة، ويوم ما قُلنا للمجلس القروى إننا عايزين عربية تشفط الميّه اللى طالعة علينا قالوا لنا العربية بايظة وهاتوا عربية على حسابكم ومش معقول كل حاجة فى المدرسة هنجيبها على حسابنا حتى عربية كسح الميّه».
تحركت «ماجدة» إلى دولاب المعدات، قبل أن تمد يدها وتفتحه لتخرج منه رائحة عطنة وكأنه لم يفتح منذ أعوام: «الدواليب بقت تطلع منها حشرات غريبة وساعات بيطلع علينا منها تعابين وعقارب، بقيت عاملة منشر غسيل فى حمام المدرسة عشان أنشر فيه المفارش والمعدات اللى بتتبهدل من الميّه، ولفينا الحيطان كلها بالمشمع عشان ندارى المنظر بتاعها، وكمان بقينا محبوسين جوه المبنى ومش عارفين نتنفس هوا نضيف لأن الشبابيك نفسها الميّه بوظتها ومبقيناش نعرف نفتحها».
من جانبه، قال حسين عبدالعزيز، رئيس مجلس إدارة جمعية تنمية الصحراء بمحافظة قنا، وأحد المتابعين لقضية المدارس المجتمعية بالمحافظة، إن هذه الأزمة تعانى منها العديد من المدارس المجتمعية بمحافظة قنا، حيث تشتمل المحافظة على ما يقرب من 38 فصلاً مجتمعياً من بينها نحو 15 مدرسة مهملة بشكل كبير، فمنها ما هو مسقوف بالجريد، ومنها فصول ما زالت مبنية بالطوب الطينى، فضلاً عن غياب المرافق عن جميع الفصول المجتمعية، سواء الكهرباء أو المياه، منادياً بضرورة الاهتمام بمثل هذه المدارس، لا سيما أنها تقدم خدماتها لعدد كبير من فقراء القرى بالمحافظة.
أحد الأهالى يتحدث لـ«الوطن»
مياه جوفية أمام مدرسة العسيلية