يبدو أن معظمنا قد بات فريسة لـ«القلق الهيستيرى» تجاه تصرفات حكومتنا وأجهزتها المختلفة، سواء عند الرد على انتقادات الرأى العام العالمى أو استثمار مواقفه الدولية لصالحنا.
ما دفعنى إلى تصدير هذه السطور هو إعلان وزارة السياحة عن استعدادها لاستقبال أول رحلة سياحية على طريق «العائلة المقدسة» خلال شهر مايو المقبل، وذلك بعد مباركة بابا الفاتيكان فرانسيس «أيقونة رحلة العائلة المقدسة إلى مصر» خلال الكلمة التى ألقاها يوم الأربعاء قبل الماضى أمام وفد مصرى ترأسه وزير السياحة يحيى راشد.
وجاء إعلان «السياحة» عن استعدادها لاستقبال طليعة أفواج مسيحيى أوروبا والعالم (نحو 2 مليار مسيحى) بعد نحو 6 أشهر فقط من اليوم ليشعل قلق معظم المواطنين الذين لا تزال ذاكرتهم القريبة تحمل مشاعر سلبية للغاية تجاه ما ارتكبته «الحكومة وأجهزتها» من أخطاء عديدة، سواء فى مواجهة «اتهامات لنا» أو استثمار مواقف دولية لصالحنا، ويكفى هنا تخبطنا فى مواجهة حادثة الطائرة الروسية التى لا نزال نسدد فاتورة سوء تصرفاتنا فيها، ومقتل الإيطالى «ريجينى» التى نعانى منها للآن..!
من ناحية فشل أجهزة الحكومة فى استثمار الأحداث لصالحنا فلعلنا جميعاً نتذكر 3 مناسبات دولية جرت آخرها العام الحالى بينما شهد العام الماضى الاثنتين الأخريين واللتين كانت إحداهما فى شهر فبراير «زيارة ليونيل ميسى ساحر الكرة العالمية» التى أهدرنا استثمارها بسبب تجاوز أحد الأشخاص «زاهى حواس» كل الحدود معه وربما كان «غروره» بأنه رجل دولة قد هيأ له «تفوقه» على نجم الكرة الدولى ولم يشفع له اعتذاره عن هذا التجاوز.. أما المناسبة الثانية التى أهدرتها البيروقراطية «العنكبوتية» فهى «زيارة نجم السينما الأمريكية العالمى ويل سميث» فى الشهر التالى، مارس..!
إن سوابق تجاربنا مع الحكومة وأجهزتها المختلفة تدفعنا إلى الشك فى أن تكون «وزارة السياحة» قد أنجزت ما ينبغى عليها من ترتيبات تشمل نحو 19 موقعاً فى مختلف محافظات مصر، بدءاً من رفح مروراً بالقاهرة ومحافظات الوجهين القبلى والبحرى.
وإذا كنا حتى الآن نحاول استثمار زيارة بابا الفاتيكان الأولى لمصر سياسياً، وعلى الرغم من أنها لم تستغرق سوى 26 ساعة فقط، فإنها أكدت أهمية الدور الذى تقوم به مصر لنبذ الحروب وحفظ الاستقرار فى منطقة الشرق الأوسط، وبالتالى إحلال السلام فى العالم أجمع واعتماد «الحوار الدينى» طريقاً لتحقيق التعارف والحب بين شعوب الأرض بمختلف أيديولوجياتها، ومعتقداتها، وهو ما ترجمه اللقاء الذى جمعه مع فضيلة شيخ الأزهر و«قداسة البابا تواضروس»، الذى جسّد بحق رغبة دينية صادقة لتحقيق السلام فى كل أركان الأرض ليحل محل الإرهاب والدمار.
واقع الحال يؤكد أننا قد فشلنا فشلاً ذريعاً فى استثمار هذه الزيارة اقتصادياً وأهدرنا فرصة اعتبارها بداية لانفتاح سياحى غير محدود إذا ما كانت وزارة السياحة وهيئة تنشيطها قد أحسنت استثمار هذه المناسبة التى لم ولن تستطيع أى منهما تحقيقها حتى ولو أنفقتا ملايين الدولارات لتسويق المنتج السياحى المصرى، خاصة السياحة الدينية، إذ اعتبرت «الوزارة» أن صورة قداسته وهو يرقب من شرفة سفارة الفاتيكان -التى اتخذها مقراً لإقامته- شريان الحياة فى مصر «نهر النيل» والتى كانت تصلح منشوراً عالمياً للسياحة فى مصر كأنها لم تكن، وأعتقد أن كل ما فعلته الوزارة مع هذه الصورة هو إيداعها ضمن أرشيفها إذا كانت لا تزال موجودة حتى الآن..!
ربما موجة القلق من أن يكون إعلان «السياحة» أنها مستعدة لاستقبال أول رحلة حج بعد 6 أشهر كما اعتدناه من الجهات الحكومية التى لا تجد سوى «كله تمام» هى التى تدفعنا إلى تذكُّر ما جرى لنا على مدى عام كامل انتظاراً لمجرد عدة ثوانٍ استغرقها إعلان نتيجة الاقتراع على مونديال 2010 وهى الثوانى التى كانت فاصلة بين أمل ملايين المواطنين، وانهيار ذلك الأمل.. بين وهم خادع، وحقيقة صادمة لم يفق منها المواطنون لفترة طويلة!!
فطوال أشهر عدة قاربت العام عشنا وهماً أغرقنا فيه المسئولون عن إدارة ملف مصر، ولم لا؟! فنحن «الريادة والقدوة والقدرة والتفرد والتميز» وغيرها من التعبيرات التى تدغدغ مشاعر المواطنين وتغذى «روح الغرور» لنفيق على «صدمة الصفر»، ونكتشف أن كل ما قاله المسئولون من أسباب ستمنح أعضاء «فيفا» شرف اختيار مصر دون منازع لاستضافة المونديال كان فى حقيقته أقرب إلى أوهام «وزير الإعلام العراقى محمد الصحاف» وقت الغزو الأمريكى للعزيزة العراق، الذى كان يرى دون غيره أن قوات التحالف «ستُشوى فى دباباتها» إذا ما تجرأت واقتربت من حدود العراق، بينما كانت هذه القوات على بعد «مجرد أمتار» من موقعه الذى كان «يهذى» فيه بهذه الأوهام!
فى نفس لحظة إعلان «صفر المونديال» استوعب ملايين المواطنين وقتها ما كان يقصده «الصحاف» بتعبيره الشهير «العلوج»!
مرة أخرى أحذر من أن تكون جرأة «السياحة» على استقبال الفوج الأول للسياحة الدينية هى مجرد «استنساخ» لجرأة الصحّاف حتى لا نفاجأ هذه المرة بـ«علوج السياحة» كما صُدمنا بـ«علوج المونديال»..!
على ذكر المونديال، وباعتبار محمد صلاح أصبح القدوة على أرض «المستطيل الأخضر»، فإننى أتمنى أن يحذو لاعبو المنتخب حذوه عندما تبرع «لصالح صندوق تحيا مصر» وأن يقدم هؤلاء النجوم على التبرع لأى من المشروعات القومية، خاصة أنهم جميعاً باتوا قدوة أيضاً للملايين!