«عبدالعزيز»: مشكلة الإعلام الحربى فى استراتيجية قيادته.. ومصر أخفقت إعلامياً فى مخاطبة الخارج والداخل
ياسر عبدالعزيز
قال ياسر عبدالعزيز، الخبير الإعلامى، إن الإعلام المصرى يعيش أسوأ حالاته، من حيث تدهور مستوى الأداء بشكل غير مسبوق قياساً بالفترات السابقة، مضيفاً: «التردى الإعلامى فى مصر مرعب وينذر بعواقب وخيمة، لذلك لا بد من وجود قيادة للمنظومة الإعلامية، وتفعيل أدوار الهيئات الإعلامية الأربع التى نص عليها الدستور، وهى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، ونقابة الإعلاميين، والهيئة الوطنية للإعلام. وأكد أن مصر تملك الإعلام الحربى، لكن المشكلة فى الاستراتيجية التى تقوده، مشيراً إلى أن المعالجة الإعلامية للملف الأمنى لا تناسب تحديات المرحلة التى تمر بها البلاد. وأكد «عبدالعزيز» فى حواره، لـ«الوطن»، أن الهيئات الإعلامية فقدت سمة القيادة، وتحولت إلى هياكل بيروقراطية، بدلاً من أن تكون مؤسسات للتوجيه والإلهام، وأردف قائلاً: «كل ما لدينا تصريحات وقرارات متفرقة بعضها غير مدروس، ومعظمها لا يصدر بشكل يعكس تفصيلاً وإدراكاً للواقع الإعلامى، وأشار «عبدالعزيز» إلى أن مصر عجزت عن مخاطبة الخارج، وأخفقت فى مخاطبة الداخل إعلامياً، كما أكد على وجود سوء تفاهم وتوتر بين البرلمان والإعلام، وأوضح أن قرار قناة CBC بوقف المذيعة «مروج» اعتمدت القناة فى إصداره على مدونة السلوك المهنى.. إلى نص الحوار.
فى ظل التحديات التى تمر بها الدولة من الحرب على الإرهاب، هل تتناسب المعالجات الإعلامية للملف الأمنى مع هذه التحديات؟
- بالطبع لا، فالدولة والأجهزة لديها استراتيجية اتصالية لمواكبة العمليات الإرهابية إعلامياً، وهذه الاستراتيجية تقوم على ثلاثة عناصر، الأول هو التحفظ والكتمان وبقدر الإمكان تتفادى الدولة نشر أخبار تتعلق بتفاصيل العمليات الإرهابية، والعنصر الثانى السيطرة على مصدر الرسائل الخاصة بأخبار العمليات الإرهابية، ليصبح هذا المصدر موجوداً بالمؤسسات الرسمية، أما العنصر الثالث فى هذه الاستراتيجية فهو تقديم الأخبار بشكل إيجابى يعزز الروح المعنوية للجمهور، هذه الاستراتيجية لها مجموعة من العواقب، منها أن الجمهور لديه طلب على المعلومات الخاصة بالعمليات الإرهابية، وهذا الطلب لا بد أن يواجهه عرض مناسب، والدولة سياستها التحفظ والكتمان، لذلك فالجمهور يلجأ إلى مصادر بديلة، تتمثل فى السوشيال ميديا بكل أنواعها، والمصدر الثانى وسائل الإعلام الوافدة، والثالث الشائعات والأخبار المضللة، لذلك نحن بحاجة إلى تغير الاستراتيجية الاتصالية لمواكبة العمليات الإرهابية، وهذا التغير لا بد أن يستند على الشفافية والفورية لقطع الطريق على المصادر غير الوطنية، وهذه الاستراتيجية يجب أن تعرض الأخبار الإيجابية والسلبية.
الخبير الإعلامى لـ«الوطن»: رؤية الرئيس للإعلام تتمثل فى مساندته للدولة
هل نحن بحاجة إلى إعلام الحرب؟
- هذا الإعلام موجود فى كل الدول التى تقاتل والتى لا تقاتل، ولدينا إعلام حرب، لكن مشكلتنا فى الاستراتيجية التى تقود هذا الإعلام.
إلى أى مدى يمكن لقانون تداول المعلومات أن يضبط الفوضى المرتبطة بقضايا الإرهاب وغيرها؟
- لم نر مسودة المشروع التى قدمتها لجنة تابعة للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ولم تصل إلينا، ولم ندرسها حتى الآن، والفكرة ليست فى القانون، بل فى مدى كفاءة هذا القانون.
هل تقدم الفضائيات الحالية إعلاماً تنموياً يسهم فى توعية وتثقيف المجتمع وتحصينه فكرياً؟
- لا، فالوضع الإعلامى المصرى متدهور وبائس، وبالتالى لا يقوم بأدواره بشكل متكامل ومدروس، وأنماط الأداء الهزلية تسيطر على معظم وسائط البث، ولكى يقوم الإعلام بدور فى العملية التنموية يجب أن يكون هناك قدر من التنوع والتعدد اللازمين فى المنظومة الإعلامية، ويجب أن يكون هناك حد أدنى للكفاءة لدى العاملين، وعلى الدولة أن تقوم بدورها فى توفير المعلومات المطلوبة.
إعلامنا يعيش أسوأ مراحله.. ومؤسساته تحولت لـ«هياكل بيروقراطية».. وتدهوره ينذر بعواقب وخيمة
كيف ترى المنظومة الإعلامية الآن؟
- جميع عناصرها يعانى من مشكلات، ففيما يتعلق بالتمويل، فإن حجم الأموال التى تضخ فى قطاع الإعلام يتراجع قياساً بفترات سابقة، لسببين رئيسين: نضوب المال السياسى، والمقصود هنا هو المال الذى يأتى لصناعة الإعلام من قبل أطراف فاعلة سياسياً بغرض اتخاذ نقاط ارتكاز فى الواقع المصرى، والسبب الثانى يرجع إلى انكماش وتراجع الأنشطة الاقتصادية، لذلك فالإعلام المصرى يعيش أسوأ حالاته ويعانى من تدهور فى مستوى الأداء، والتردى الإعلامى فى مصر مرعب وينذر بعواقب وخيمة، وهو تدهور غير مسبوق، لذلك لا بد أن تكون للمنظومة قيادة، وهناك مؤسسات للقيادة ينص عليها الدستور.
ألا تثق بدور هذه المؤسسات الإعلامية؟
- لقد تمتعنا بوجود مؤسسات إعلامية بالفعل، لكنها للأسف تفقد سمات القيادة، وتحولت إلى هياكل بيروقراطية بدلاً من أن تكون مؤسسات للتوجيه والإلهام، فقيادة المنظومة الإعلامية تتعلق بامتلاك رؤية واضحة ومعلنة، وهذا الأمر لم يحدث فى المؤسسات الإعلامية التى تم الإعلان عنها، وأقصد بها المجلس الأعلى، والهيئة الوطنية للصحافة، والهيئة الوطنية للإعلام، ونقابة الإعلاميين، لدينا أربع مؤسسات إعلامية جديدة منوط بها تنظيم المشهد الإعلامى وقيادته، وهذه المؤسسات وجودها فى حد ذاته مكسب، لأنه يلبى استحقاقاً فى الدستور، ويوسع عملية القيادة الإعلامية ويجعلها أكثر ديمقراطية، لكن هناك مشاكل تم اكتشافها عقب الإعلان عن إنشاء تلك المؤسسات، تتمثل فى عدم إدراك المهمة المنوطة بها، نحن لا نملك رؤية معلنة لتنظيم المجال الإعلامى من قبل المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، ولا نملك رؤية معلنة وواضحة لإعادة هيكلة وسائل الإعلام المطبوعة المملوكة للدولة، وليس لدينا رؤية لإعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتليفزيون (السابق) الهيئة الوطنية للإعلام (الآن)، وليس لدينا رؤية واضحة لدور نقابة الإعلاميين، كل ما لدينا تصريحات وقرارات متفرقة بعضها غير مدروس ومعظمها لا يصدر بشكل يعكس تفصيلاً وإدراكاً للواقع الإعلامى.
هل تقصد بحديثك قرارات نقابة الإعلاميين والمجلس الأعلى الأخيرة بخصوص بعض الإعلاميين والبرامج؟
- نعم، هذه المؤسسات يجب أن تدرك أدوارها جيداً، وعليها أن تصدر أكواداً للممارسة المهنية، هذه الأكواد أو المواثيق يجب أن تكون مرفقة بآليات تأديب، وبالتالى لا يمكن إصدار عقوبة بغير نص معلن ومتفق عليه، وهذا الأمر غير معلن حتى الآن.
إدارة قناة cbc extra أصدرت قراراً بوقف المذيعة مروج إبراهيم مقدمة برنامج «ما وراء الحدث».. كيف ترى القرار؟
- من حق وسائل الإعلام أن تتخذ قراراً حيال العاملين بها وفقاً لمدونات السلوك أو الأدلة المهنية التى تعتمدها، والقناة هنا لديها مدونة للسلوك كما قالت فى بيانها، فمن حقها ذلك، طالما خرقت المذيعة مدونة السلوك المهنى.
إلى أى مدی یؤثر الإعلام المصری بالخارج؟
- مصر بلا تعبير إعلامى لائق فى المواجهة الإقليمية والدولية، وعجزت عن مخاطبة الخارج، وأخفقت فى مخاطبة الداخل إعلامياً، وأنفقت كثيراً فى تطوير التعبيرات الإعلامية، لكنها لم تطور تعبيراً إعلامياً خارجياً، ولا تمتلك الآن سوى أداء إعلامى غير مقنع لا للداخل ولا للخارج، وأول طريق لامتلاك أداء إعلامى دولى أو إقليمى فعال يبدأ باعتبار هذه المسألة مسألة أمن قومى، وحتى الآن الدولة لم تدرك ذلك.
كيف ترى علاقة البرلمان بالإعلام؟
- هناك سوء تفاهم وتوتر بين البرلمان والإعلام، والمشكلة الكبرى تكمن فى الوعى الجمعى البرلمانى حيال الإعلام وهو وعى سلبى، بمعنى أن يتم حصر الإعلام فى صورتين: الأولى الهتيف المؤيد، والثانية المعارض المنفلت، وبالتالى تتم محاسبة الإعلام من خلال موقف أعضاء البرلمان أو إرادة البرلمان العمومية، ومن هنا ينظر للإعلام على أنه أداة فعل سياسى وليس أداة فهم وإخطار، هذا الأمر يمكن أن ندفع له أثماناً حينما يتم إصدار قوانين تخص الإعلام كقوانين حرية تداول المعلومات وقانون الصحافة والإعلام، والسبب هو أن الإعلام من جانبه يرصد الأخطاء الكبيرة ويصر عليها، والبرلمان يقيّم الإعلام من المنظور السياسى، باعتباره المصطف الموالى، أو المعارض الخارج عن الصف.
هل یوجد من یوقع بین الصحفيين والرئيس؟
- لا أمتلك معلومات عن هذا الشأن، لكن رؤية الرئيس للإعلام تتمثل فى قيامه بمساندة الدولة فى معاركها الكبرى وعملية التنمية، وهذه الرؤية تجعل موقف الإعلام دائماً موقف الراغب فى إظهار حسن النية، العلاقة بين الإعلام والسلطة عموماً هى علاقة غير صحية الآن، والسبب الرئيسى أن كل أطرافها يعانون من أزمات وضغوط من جهة، ومن جهة أخرى مصر تتعرض لتحدى الإرهاب، وفى ظل هذا التحدى هناك هوامش حريات وحقوق إنسان، هذه الهوامش تتأثر حتى فى أكبر الدول الديمقراطية.
ما ملاحظاتك على قانون الصحافة والإعلام المقرر مناقشته فى البرلمان الأسبوع المقبل؟
- لا توجد ملاحظات من جانبى، بل هناك لجنة وطنية لإعداد مشروعات التشريعات الإعلامية، هذه اللجنة عملت على مدار أكثر من عام، وعدد أعضائها 50 عضواً، وهدفها مشروع موحد للصحافة والإعلام، وأدعو أعضاء البرلمان للرجوع إلى هذا المشروع، حيث إنه كان يتعامل مع مشاكل الإعلام المصرى برؤية مكتملة، ولا بد من الاستعانة بهذا المشروع.