كان الرئيس «محمد مرسى» مدعوماً من الله، حسب مزاعم «عزة الجرف»، القيادية الإخوانية، وكان لمدة عام يمثل مصر.. وفى هذا العام تبدّلت كتب التاريخ لتجعل من «حسن البنا» أسطورة، ومن «زينب الغزالى» مناضلة.. كانوا «رموزاً»، بينما كنا نراهم خونة وتجار أوطان وعصابة تفرض «الفاشية الدينية».. فمن الذى يُحدّد «الرمز» وصفاته ومواقفه.. إنه «من يكتب التاريخ».
وكتبة التاريخ بشر، لهم انحيازاتهم وأهواؤهم، يرون الواقعة وبطلها من زاوية مرهونة بشروط المرحلة التى كُتبت فيها.. لقد كان «مبارك» صاحب أول ضربة جوية، وظلت مصر ذاتها تسمى «مصر-مبارك»، ثم ثار عليه الشعب، وحُوكم وقضى أعواماً بالسجن.. فهل «الرمز» الذى سقط عن عرشه هو الأبقى أم «الثوار» الذين أسقطوه هم «الرمز».. بعد أن تم تصنيفهم عملاء ومرتزقة؟!.
فمن «الرموز»؟، إذا كان رجل بقامة الدكتور «طه حسين» أصدر الأزهر فتوى بتكفيره بسبب كتابه «فى الشعر الجاهلى».. إنه «رمز» و«كافر» فى آن واحد!.
لقد اعتقدنا -بحسن نية- أننا دخلنا مرحلة «التنوير»، وأن إصلاح الخطاب الدينى قد بدأ بتنقية التراث، الذى تتبنّاه السعودية، بعدما صادر الأزهر «حق الاجتهاد»، وتم سجن «إسلام بحيرى»، لأنه انتقد «البخارى».. فإذا بدائرة «المقدسات» تتّسع، ليظهر مشروع قانون «تجريم الإساءة إلى الرموز والشخصيات التاريخية»، الذى (يحظر التعرّض بالإهانة لأىٍّ من الرموز والشخصيات التاريخية، ويُعاقب بالحبس مدة لا تقل عن 3 أعوام ولا تزيد على 5 أعوام، والغرامة لا تقل عن 100 ألف جنيه ولا تزيد على 500 ألف جنيه، كل من يسىء إلى الرموز والشخصيات التاريخية).
وهو القانون الذى صُمّم خصيصاً لإخراس المفكر «يوسف زيدان»، وصنع «مصيدة» للمفكرين والباحثين والسياسيين فى مصر، ولأفراد الشعب والمثقفين أيضاً، فلا اتفاق على مَن هم الرموز الوطنية والتاريخية، لأن «القراءة التاريخية» تختلف حسب من يقرأ، ومن يُحقّق فى هذه الواقعة!.
وكلمة «إهانة» هى كلمة «مطاطية» تتطابق مع مصطلح «ازدراء»، إنه أشبه بقانون «العيب فى الذات الملكية»، الذى تطور إلى مواد «إهانة الرئيس».. لكن البعض يريد تحويل الوطن إلى «معتقل مفتوح».. مشروع القانون أداة لمنع تنقية التراث والتعرّض لشخصياته التاريخية، وتعطيل إعمال الفكر والعقل لحسابات «شخصية»!.
مجرد اقتراح قانون بهذه الصيغة مخالفة قانونية ودستورية وردة حضارية، فقانون العقوبات المصرى، يحتوى على 32 مادة تدور فى فلك السب والقذف والإهانة.. وهى مواد يمكن تطبيقها على من يطرح رؤية غير موثقة فيُتهم بـ«تشويه رمز»!. ومن عجائب مشروع القانون أنه يُعرّف الرموز والشخصيات التاريخية باعتبارها: (الرموز والشخصيات التاريخية الواردة فى الكتب، التى تكون جزءاً من تاريخ الدولة، وتشكّل الوثائق الرسمية للدولة).. وبهذا المنطق يمكن أن نحاكم صناع فيلمى «الكرنك وكشف المستور» اللذين أظهرا بشاعة ممارسات «صلاح نصر»، مدير المخابرات الأسبق، رغم أن «جمال عبدالناصر» قدّمه للمحاكمة، بالسجن لمدة 15 سنة.. ومن زاوية أخرى ستجد «نصر» بطلاً قومياً، لأنه أسس جهاز المخابرات!!.
لا يمكنك أن تُنصف «الشيعة»، لأن بعض مشايخ الأزهر يخرجونهم من الملة، ولا أن تشير إلى ضلوع «يزيد بن معاوية» فى مقتل «الحسين»، رضى الله عنه.. لأنك أمام «شخصيات مقدسة».. حتى النائب «عمر حمروش»، مقدّم مشروع «قانون المسخرة» هو نفسه «رمز»، لأن «الوثائق» ستذكر اسمه ضمن نواب برلمان ثورة 30 يونيو، التى فقدت بوصلتها نحو «الدولة المدنية»، وتركت «التشريع» لأصحاب الخيال الكسيح، ممن يحترفون «تفصيل قوانين» تصادر الحريات وتتناقض مع الدستور «المعطل».. لكنهم لا يعلمون أن «التاريخ» لا يرحم، وأن قضبان السجن لن تقطع ألسنتنا.. ولن نقبل أن تُسرق ثورة «30 يونيو» مجدداً لحساب «هواة».. ملكيين أكثر من الملك.. يُشرّعون عكس ما يطالب به الرئيس «عبدالفتاح السيسى»!.
نعم «حمروش» «رمز» وعنوان لزمن التردى والهوان والتغييب وتزييف الوعى، هو «رمز» لمجلس يتبنّى رؤية ضبابية لطبيعة المرحلة، ويعادى الصحافة والإعلام، ويعقد جلساته فى الخفاء، وبدلاً من إلغاء قانون «ازدراء الأديان»، يفتش عن قيود حديدية تُكبّل المفكرين!.
كل كتب التاريخ التى تروى سير الرموز السياسية أو العسكرية أو الأدبية أو الفكرية، تنطوى صفحاتها على وقائع وشبهات تنسب إليهم أخطاءً بشرية ارتكبوها!.. وحتى التاريخ الإسلامى وبعض الأحاديث النبوية مختلف على صحتها.. هذا القانون لا يحمى التاريخ.. بل إنه يحمى من تبنّاه وقدّمه للمجلس.. يحمى مجلس النواب نفسه!!