ظلت فكرة إنشاء قاهرة جديدة تتردّد لأكثر من عشرين عاماً كإحدى الأفكار لإنقاذ القاهرة التى باتت تئن تحت وطأة الزحام، وغابت فيها معالم الحضارة، وأصبحت مدينة خطرة ليس على المستوى الأمنى، فالحمد لله تعد آمنة، لكن خطرة على المستوى النفسى والحياتى لسكانها.
فنحن سكان القاهرة وإن كنا نتمتع بتسهيلات ومميزات أفضل نسبياً من باقى المحافظات، إلا أننا أقل حظاً من كثير من المحافظات التى تتمتع بقدر أعلى من الهدوء والتواصل الإنسانى.
لذا ما إن اتضحت معالم حياة أفضل فى المدن الجديدة، مثل 6 أكتوبر والقاهرة الجديدة حتى بدأ ما يشبه النزوح أو الهروب الجماعى من داخل القاهرة إلى هذه المدن، ويمكن فهم ذلك فى ضوء التوسّع الكبير لمدينة 6 أكتوبر التى تم تخطيطها، لتستوعب مليونى مواطن ومواطنة فى مدى زمنى ليس قصيراً، فإذا بها تصل إلى 9 ملايين فى مدى زمنى أسرع كثيراً مما كان مخططاً له، وكما الحال فى القاهرة الجديدة التى يمتد فيها العمران بصورة تكاد تكون كرتونية، فشوارع ومناطق كاملة تُبنى فى شهور معدودة، وكأنها ترسم على ورق كرتون، وليست أبنية راسخة على الأرض.
كل هذا أدى إلى ضغط كبير على طرق المدينة التى كان مخططاً لها أن تكون هادئة، ورغم أن أغلب الطرق جديدة فعلاً وأنفق فيها الكثير من الأموال فى تجهيزها وإنارتها، أصبحت الآن ضرورة إعادة توسعة شاملة لكل الطرق لتحتمل توسّعاتها وفتح الطرق للعاصمة الجديدة أيضاً، اللافت للنظر أن إعادة تخطيط الطرق تتم بعناية كبيرة، حتى لا يعيق الحركة، وأيضاً تتم بعناية، بالقدر الممكن للأشجار والنخل، فلا يتم تدمير الأرصفة كلياً وإنما يدور التخطيط حول الأشجار القائمة، وهو أمر جديد ومهم، وهو احترام الحياة ومعرفة أهمية هذه النباتات، وإن كنت أعتقد أن هناك أمراً مهماً لا بد من النظر إليه، وهو احترام حياة البشر أيضاً، وإعداد الطرق والأرصفة، لتُحافظ على حياتهم وتعطيهم الفرصة للمشى.
هنا أشير إلى أهمية تصميم الطرق والأرصفة، ليس فى المدن الجديدة فقط، وإنما فى مصر كلها، لتكون مناسبة للأطفال وكبار السن، وأصحاب الاحتياجات الخاصة، وأن تأخذ بعين الاعتبارات وجود «منزلقات / رامبات» تسمح لكل أم لديها طفل بسيارة تحمله، بأن تسير على الأرصفة بلا صعوبة، وتعطى الفرصة لأى رجل أو سيدة يعانون من خشونة ركب، أو قعيد يتحرّك على كرسى بعجل بأن يتجولوا فى الشوارع دون ألم.
أيضاً أن توجد حمامات عامة نظيفة وآدمية، حتى لو كان دخولها برسوم معقولة تكفى لمدّها بالخدمات الأساسية والنظافة.
خلاصة القول، ما دمنا نبنى مدناً جديدة تسمح لحياة أفضل لكل الطبقات بدءاً من إسكان محدود الدخل وإسكان الشباب والإسكان الاجتماعى إلى الفيلل والقصور والمنتجعات، أو حتى نقوم بتجديد وصيانة أماكن قديمة، علينا أن نُصمم شوارع مستجيبة لاحتياجاتنا جميعاً، شوارع تسمح لنا جميعاً بالتحرك، لذا أتمنى أن من يخطط لهذه الشوارع يدرك أن من يسير له احتياجات ربما مختلفة عنه شخصياً ولا يخططها على مقاسه، ومناسبة لحالته الصحية الآن، وكذلك حجم سيارته، فليصممها لحالته الصحية بعد عشر سنوات، ولتناسبه وتناسب كل أفراد عائلته الصغيرة والكبيرة أيضاً التى هى مصر كلها.