فى شارع انقلاب (الثورة) وسط العاصمة طهران، وقفت التى تدعى «ويدا موحد»، والبالغة من العمر 31 عاماً، على منصة وهى ترفع وشاحها (حجابها) بعصا وتلوح به على شكل علم كاحتجاج على قانون «الحجاب الإجبارى»!.
وعلى الفور اندلعت الاحتجاجات الشعبية، ديسمبر الماضى، بعد أن اعتقلت الشرطة الفتاة، ما دفع بنشطاء أن يطلقوا وسماً عبر مواقع التواصل الاجتماعى بعنوان «أين فتاة شارع انقلاب؟».
واعتبر الإيرانيون حركة هذه الفتاة من أهم رموز الاحتجاجات من قبل النساء فى إيران، واختار عدد كبير من مستخدمى مواقع التواصل الاجتماعى صورة هذه الفتاة رمزاً للتعاطف مع المرأة ورفضاً للحجاب القسرى.
ونددت «منظمة العفو الدولية» فى بيان لها باعتقال الفتاة، وطالبت السلطات الإيرانية بوقف محاكمة النساء اللواتى يحتججن على الحجاب القسرى فى البلاد، ووقف هذا القانون الإلزامى الذى وصفته بـ«التعسفى».
وعلى الرغم من القمع الواسع للاحتجاجات، شاركت المرأة الإيرانية بدور بارز جداً فى المظاهرات التى جابت شوارع أكثر من 120 مدينة إيرانية على مدى أسبوعين.
حتى أعلنت المحامية «نسرين ستودة»، من مركز مدافعى حقوق الإنسان فى إيران، أن السلطات الإيرانية أطلقت سراح الفتاة «ويدا موحد»، وذلك بعد أسابيع من استمرار حملات عبر شبكات التواصل ومنظمات حقوقية ومدنية للمطالبة بالإفراج عنها.
إيران الدولة الدينية الشيعية التى يحكمها «الملالى» وميليشيات الحرس الثورى الإيرانى، وتصدر الإرهاب للعالم العربى.. هذه الدولة الحديدية التى فرضت «الشادور» على النساء، تشهد انتفاضة ضد ما سموه «الحجاب القسرى»!. أنا لست بصدد الحديث عن كون الحجاب فرضاً أم لا، لكننى وجدت نفسى -فجأة- أعيش فى دولة سلفية رجعية بامتياز.. تمارس فيها كل أشكال «النصب» باسم الدين.. كنت ضيفة فى برنامج «العاشرة مساء» على قناة «دريم»، وأمامى فرقتان لما يسمى «الأفراح الإسلامية».. تتزعم فرقة المنتقبات سيدة تدعى «الدكتورة شيماء عبدالحميد»، تقول عن نفسها إنها متخصصة فى العلاج النفسى والاستشارات الأسرية، لكنها كانت موجودة بصفتها «مدير فرقة رقص استعراضى».. ولكن على الطريقة الإسلامية!. ووفقاً لطريقتها فالغناء الذى يشارك فيه «فتيات»، بلا أى موهبة فنية أو تدريبات صوتية، هو عبارة عن «إنشاد دينى».. والموسيقى تعتمد على «الدفوف» فقط.. والحفل يقتصر على النساء دون الرجال، فقط يسمح للعريس أو الأب أن يدخل لدقائق ثم يبدأ «الحفل»!.
المؤسف أن التيار السلفى قد تمكن بالفعل من نشر «ثقافة الجاهلية» باسم الدين، واستغل غياب الدولة بما فيها مؤسسة الأزهر الشريف، لتطبيق منهج «الفكر الوهابى»، وفرض نموذج الدولة الدينية بخبث ودهاء.
إنهم يتسللون إلى بيوت وعقول البسطاء، طبقاً لمنهج جماعة «الإخوان» الإرهابية، التى زرعت فى كل المناطق الفقيرة وحدات صحية وجمعيات شرعية، وأسست مشرعها لدولة دينية من الأفراح إلى الجنازات!.
وكالعادة كانت «شيماء» تتحدث كداعية إسلامية بينما هى مدير «فرقة رقص»، وتزعق فى الجميع: «مصر بلد الأزهر».. وتستشهد بالسيدة عائشة، رضى الله عنها، وتتعمد الشوشرة على دعاة الدولة المدنية: (دعاة الحقوقية «عبير سليمان» وأنا).. وتخلط الرقص بالدين بالتخلف، وتستغل الفتيات ليرقصن فى أماكن مغلقة، قد يتعرضن فيها للتصوير أو الفرجة «خلسة».. دون أى تصريح من أى نقابة فنية.. بزعم أنها تحيى «السنة» بهز الوسط!.
مشهد مخيف وسخيف، يغير «هوية الدولة»، ويفتت مظاهر البهجة، ويكرس «عدم الاختلاط» فى دولة يفترض أنها مدنية، ويحرم الموسيقى -ضمنياً- رغم أنها حلال بإجماع العديد من كبار العلماء.. فالدكتور «على جمعة»، مفتى مصر السابق، يقول: «سماع الموسيقى حلال عند بعض العلماء ومن يحرمها فلنفسه وليس على الآخرين».
كما أن النقاب ليس فرضاً أو سنة، وانتشار النقاب خطر على الأمن القومى، يتم بواسطته نقل أسلحة الإرهابيين وهروب المطلوبين للعدالة والقتل وخطف الأطفال أيضاً، لكن هناك من يدبر لنشره ولو بـ«الرقص»!.
فبعدما نجح الدكتور «جابر جاد نصار» فى منع المنتقبات من تدريس مواد تحتاج إلى «تواصل» فى جامعة القاهرة.. تراجعت الجامعة الأمريكية عن قرار منع دخول المنتقبات.. بعد دفاع مستميت من الداعية السلفى «سامح عبدالحميد» ومجموعة منتقبات فى نفس البرنامج!.
وكأن المستهدف هو «سَعْودة المجتمع المصرى»، وخلق مجتمع مغلق، يحتوى على جميع الأمراض النفسية.. فمن المعروف أن الفصل بين النساء والرجال يؤدى إلى انتشار أمراض قاتلة.. أولها الشذوذ الجنسى، ونحن نشاهد ذلك فى دول منغلقة ونتابعه ونرصده.
ما تفعله «شيماء» ليس صدفة ولا فكرة مبتكرة، إنه جريمة بكل المعانى، جريمة تستحق المساءلة، جريمة «ازدراء للدين الإسلامى» الذى اختزلته فى «خلوة رقص»!.
حاكموها.. أو أعلنوا مصر «دولة دينية» وعطلوا الدستور.. وسلموا البلاد للأحزاب الدينية التى تضع صورة «وردة» بدلاً من صور المرشحات فى الانتخابات.. افرضوا الحجاب أو النقاب أو الشادور بالقانون.. وأوقفوا الحرب على الإرهاب.. لأنه يرقص بين ضلوعنا!.