كنت أتحدث مع صديقى د. هانى قسيس، رئيس مجلس الأعمال المصرى - الأمريكى السابق، حول مشكلات الصناعة والاستثمار فى مصر، فهو يرى أن الصناعة هى الحل، وبلدنا يحتاج إلى 1000 مصنع (مصنع وليس ورشة)، على أن نبدأ فيها أمس لو استطعنا إنشاء ألف مصنع، فسوف تنتهى كل مشكلاتنا فى البطالة والإنتاج والاستيراد واستنزاف العملة الأجنبية وغلاء الأسعار، وحسبة بسيطة 1000 مصنع × 2000 فرصة عمل = توظيف 2 مليون عاطل، وحينما سألته هل لدينا 1000 مستثمر حقيقى يستطيعون إنشاء 1000 مصنع؟ أجاب ولا حتى نصفهم، أنا هنا أختلف معه، فلدينا هذا العدد وأكثر، بدليل الـ5 آلاف مصنع المغلقة، يمكن إعادة تشغيلها، ولدينا كثير من المستثمرين ورجال الأعمال غير المعروفين، ولدينا قوات مسلحة تُنشئ مصانع وبنوكاً فيها فوائض مالية كبيرة، والأهم أن لدينا شعباً محترماً له تجربة فريدة فى الاكتتاب، حينما يثق فى قيادته يفعل المستحيل.
د. هانى قسيس، لأنه رجل صناعة يرى أن الاستثمار الحقيقى هو جلب الأموال من الخارج إلى الداخل، وهذا يتحقق من خلال طريقين: الأول مستثمرون أجانب يأتون بأموالهم للاستثمار فى مصر، والثانى إنشاء مصانع نصدّر إنتاجها إلى الخارج بالعملة الصعبة، أما الأول فرغم الجهود الكبيرة التى تبذلها الدولة للترويج للاستثمار وجذب مستثمرين أجانب جدد، فإن النتائج ليست على مستوى طموحاتنا بسبب الظروف السياسية التى تشهدها مصر والمنطقة، إذاً الحل هو الاعتماد على أنفسنا من خلال إنشاء المصانع والإنتاج والتصدير.
كيف يمكن إنشاء ألف مصنع؟ يجب على الدولة فتح صفحة جديدة مع رجال الأعمال والمستثمرين، فالعلاقة لم تكن طيبة فى الماضى، وهذا جعل كثيراً منهم يستثمر أمواله فى الخارج، وبدلاً من إجبارهم على التبرّع نُسهّل لهم إنشاء مصانع، فهذا أفضل لهم وللبلد، وأتصور أنه يمكن تحديد السلع الاستراتيجية التى تحتاجها مصر ثم توزيعها على المستثمرين وتقديم كل التسهيلات التى يحتاجونها، ما المشكلات التى تواجه إنشاء 1000 مصنع؟
أولاً كان عدم وجود إدارة حقيقية، وأتمنى أن تكون متوافرة الآن.
ثانياً الجهاز الإدارى للدولة طارد للمستثمرين، وهذه المشكلة لها حل بعد إنشاء مركز خدمة المستثمرين فى وزارة للاستثمار.
ثالثاً التمويل والحل من خلال الأموال المكدّسة فى البنوك أو بالاكتتاب الشعبى.
رابعاً الأرض، وهذه أهم عقبة، لأن أكثر من تكلفة أى مشروع يدفعها المستثمر فى قيمة الأرض، والحل منحها مجاناً بحق الانتفاع، وبالتالى يستفيد بأموال الأرض فى إقامة مشروعه، فالمشكلة أن الدولة أصبحت تتعامل مع الأرض على أنها سلعة للتجارة، بدأ ذلك فى عهد أحمد المغربى، وزير الإسكان الأسبق، حينما طرح الأرض فى مزاد علنى، من يومها والدولة تتاجر فيها، لكنها زادت مؤخراً، وهذا تأثيره سلبى، رغم أن كلامى لن يُعجب الكثيرين، لكنها الحقيقة، فالأرض وسيلة للتنمية وليست سلعة للتجارة، والأرض دون تعميرها لا قيمة لها، مجرد حبة رمال أو تراب.
عائد متر الأرض من الصناعة للبلد أضعاف ما يُحقّقه من الزراعة والسياحة والإسكان ونحن دولة ليست لديها أزمة فى الأراضى، فأكثر من 90% منها ما زالت صحراء جرداء.
قد تكون لدينا مشكلة فى ترفيق الأرض، والحل أن يتحمّل المستثمر قيمة المرافق، على أن تُخصم من حق الانتفاع، نحن شعب 100 مليون نسمة، يُعتبر سوقاً كبيرة تتهافت عليه دول العالم، فعلى الأقل نُنتج ما نستهلكه، أنا لست خبيراً فى الاستثمار والصناعة، لكن هذه رؤيتى المتواضعة للأمور، التى تحتمل الصواب والخطأ، لكننى مؤمن تماماً بأن مصر لن تتقدم إلا بالأفكار الجريئة المبدعة، ومن خارج الصندوق.