أنا وصديقى د. محمد المهدى، أستاذ الطب النفسى الشهير، منذ شهرين نبحث عن «واسطة» تساعدنا فى إلحاق حفيده «زياد» بمرحلة رياض الأطفال (KG1) بإحدى مدارس اللغات الخاصة. ورغم أن باب القبول لم يُفتح والدراسة بعد 6 أشهر والرسوم بعشرات الآلاف فإن المدارس تقريباً اكتملت ولم يعد فيها مكان.
د. المهدى غير مقتنع بالتعليم الخاص ومدارس اللغات والدولية، وكان وما زال يتمنى فرصة فى مدرسة حكومية تُعلّم «الحفيد» مثلما تعلم «الجد» فى الماضى، ولكنه مُجبر لا بطل فى إلحاق الطفل بمدرسة كل رسالتها جمع الأموال واستنزاف المواطنين تحت سمع وبصر وتواطؤ الدولة أحياناً.
حالة حفيد د. المهدى هى نموذج لملايين الأسر المصرية التى كانت وما زالت تعانى فى البحث لأبنائها عن فرصة تعليم جيد بعد أن انتهى التعليم الحكومى تماماً، فالدولة تنفق عشرات المليارات ومع ذلك المدارس خاوية والأهالى ينفقون أموالهم على الدروس الخصوصية والتعليم الخاص والنتيجة لا تسر عدواً ولا حبيباً.
مصر تشهد عشوائية لا مثيل لها فى العالم، فكل جهات الدولة تعمل فى مجال التعليم الذى تحوّل من رسالة إلى تجارة (تعليم عام وخاص محلى ودولى وأزهرى) ومصاريف بعشرات بل مئات الآلاف. الدولة حاولت الاستفادة من النموذج اليابانى فى التعليم ولكنه توقف، كما أنه كانت هناك توجيهات من الرئيس السيسى بضرورة تعميم تجربة مدارس النيل على مستوى الجمهورية، وهى تابعة لمجلس الوزراء مباشرة، وعددها حالياً خمس مدارس فقط، أنشئت عام 2009، وكان هدفها توفير تعليم متميز بمصروفات قليلة لأبناء الأسر المتوسطة وتتحمل الدولة الجزء الأكبر من نفقاته، وبالفعل حققت المدارس سمعة طيبة وشهدت إقبالاً من أولياء الأمور.
قامت ثورة يناير 2011 ودخلت البلد دوامة الثورات والمشاكل السياسية فتعرضت مدارس النيل للتدهور وتراجع مستواها، وحتى مدرسوها المتدربون فى الخارج خطفتهم المدارس الدولية، لكن الرئيس السيسى قرر إعادتها إلى سابق عهدها، بل وتعميمها بإنشاء 27 مدرسة فى كل المحافظات. وبالفعل نجح المسئولون عنها فى مهمتهم وحصلوا على حقوق الملكية الفكرية من جامعة كامبريدج، وتم إنشاء مؤسسة النيل التعليمية التى من حقها منح رخصة إنشاء مدارس داخل وخارج مصر طبقاً لشهادة النيل الدولية، وخريج هذه المدارس سوف يكون معترفاً به فى كل دول العالم بضمان «كامبريدج» والحكومة المصرية.
الدولة بذلت جهوداً كبيرة حتى يكون لنا تجربة مصرية خالصة فى التعليم من خلال شهادة النيل التى تتميز بمرونة تدريس المناهج والاعتماد على الأنشطة وتنمية المواهب ورعايتها وارتباطها بسوق العمل (التعليم الفنى والتكنولوجى) وانخفاض المصروفات والاهتمام باللغتين العربية والأجنبية والتركيز على بناء شخصية الطالب وتعليمه كيف يفكر بدلاً من الحشو والحفظ والتلقين.
أنا لن أسلّم بنظرية المؤامرة وأن أصحاب المصالح هم السبب وراء عدم تعميم مدارس النيل وتعطيل إنشاء 27 مدرسة جديدة وأيضاً عدم الاستفادة من النموذج اليابانى وإلغاء الفكرة قبل ساعات من بداية العام الدراسى، ولكن إذا كانت مشكلة مدارس النيل أو اليابانية فى المبانى فهى محلولة لأن لدينا أكثر من 50 ألف مدرسة تابعة لوزارة التربية والتعليم معظمها خاوٍ من الطلاب والمدرسين من أول يوم دراسة، وإذا كانت معلومات الوزير غير ذلك فيجب محاسبة معاونيه لعدم أمانة العرض، فالأزمة الحقيقية فى مراكز الدروس الخصوصية التى يتم حجزها قبل العام الدراسى بشهرين وهى مكتملة العدد وتستنزف ميزانية الأسرة، وأبناؤنا من رياض الأطفال حتى الثانوية العامة يقضون يومهم فى الشوارع من منزل لمنزل.. وللحديث بقية.